17.4.13

الجلاء

"لقد أورثنا فقدان السيادة الوطنية أجيالاً وتحكم الأجنبي فينا قروناً طوال، أمراضاً ثقالاً، فواجبنا أن نعمل على تقوية أنفسنا وإصلاح ما أفسده الاستعمار، واجتثاث بذور السوء التي بذروها في تربة الوطن الغالي. وإذا كنا قد جاهدنا حتى زال الاستعمار، فعلينا أن نجاهد حتى نعفي أثره ونقضي على ما خلفه من أسواء ومفاسد.

كان الاستعمار عقبة كأداء تعترض تقدمنا ورقينا - ولن ترقى أمة مستعبدة ما دامت الحرية عنصر التقدم الأول - ثم ذهب هذا الاستعمار إلى غير رجعة وجلا الظالمون، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. وزالت العقبة، وغدونا غير معذورين إذا نحن قصرنا بعد الآن في الجري مسرعين في مضمار التقدم والإصلاح. إننا نودع اليوم عهد الهدم، وقد كانت له سبله وأساليبه، ونستقبل عهد البناء، وله سبله وأساليبه. كنا نقارع بالأمس الأجنبي المستعمر، باعتباره مصدر كل داء وأساس كل بلاء، فصار لزاماً علينا أن نجادل اليوم الفقر، وأن نبدد ظلمات الجهل، وأن نحارب الفوضى والشغب وأن نوطد النظام. علينا أن نكافح العلل الخلقية والنفسية كفاحنا للأوباء الجسيمة. علينا أن نصلح أداة الحكم وأن ننصرف إلى العمران، وأن نعدد الخطوط والبرامج الإنشائية والتجديدية الانقلابية التي تؤدي إلى رفع مستوى الفرد الخلقي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي، وأن نفسح المجال أمام الكفايات، وأن نصقل المواهب، وأن نجلو الصدأ عن عبقرية هذا الشعب الذي إذا أتيحت له الفرصة أتى في ميدان الحضارة بما أتى آباؤه الأولون.

علينا أن نرقى باقتصادياتنا، بزراعتنا وصناعتنا وتجارتنا، إلى المستوى اللائق بشعبنا الذكي الفعال. علينا أن نقضي على البلبلة الثقافية والفوضى في مختلف مرافق العمل. علينا أن نصل بهمتنا ودأبنا بين مجد الماضي ومجد الآتي. إنما هذا المجد الذي نريد أن نشيد بنيانه وأن نوطد أركانه إنما تقوم قواعده على تعاون أفراد الأمة، وتكاتف القوم وتوجيه نشاطها نحو إسعاد المجموع وإعلاء شأن الوطن.

إن مثلنا الأعلى الذي نتطلع إليه ليدعو اليوم أبناء هذه الأمة إلى التجرد عن الهوى والترفع عن الصغار، وإيثار المصلحة العامة على الخاصة، والتفاني في رعاية القانون واحترام النظام والولاء للدولة، ومعرفة أن لقاء كل حق للفرد لا بد من واجب عليه.

وتقوم قواعد المجد الآتي من ناحية أخرى على تحلي الحكومة بالعدل مقروناً بالحزم، وبالسهر على مصالح الشعب وتغليب سلطان القانون العادل على كل سلطان، وتنمية الكفايات ومعرفة أن ما كان يجوز في عهد الانتداب والاحتلال قد لا يجوز في عهد السيادة والاستقلال.

وإني لأرجو، على ضوء ما أسلفت، أن نمضي في عهدنا الإنشائي في مساواة لا تفرق بين الأديان والمذاهب، ولا تقيم وزناً لعصبيات الأعراق والطوائف. فنحن حقاً أمة واحدة موحدة، لا أقليات فيها ولا أكثريات."

-- الرئيس شكري القوتلي - احتفال سورية بعيد الجلاء ١٧ نيسان ١٩٤٦

http://www.discover-syria.com/bank/6151

ليست هناك تعليقات: