الفلسفة السياسية ليوكيو هاتوياما
فلسفتي السياسية
يوكيو هاتوياما
راية سياسي الحزب إيشيرو هاتوياما
كلمة "愛" والتي عادة ما تترجم بـ"الحب" هي كلمة واسعة الانتشار بين اليابانيين اليوم، لذلك، عندما أتحدث أنا عن الإخاء"友愛" و المكتوب بحرفي "الصداقة" و "الحب" فيبدو أن العديد من الناس يتصورون مفهوماً ليناً و ضعيفاً. ومع ذلك، فإنني عندما أتكلم عن الإخاء فأنا أشير هنا إلى مفهوم مختلف تماماً في الواقع، ما أتحدث عنه هو الإخاء كما ورد في "حرية ومساواة و إخاء" ، شعار الثورة الفرنسية.
عندما ترجم جدي إيشيرو هاتوياما واحدة من أعمال الكونت ريتشارد كودينهوف كاليرجي إلى اللغة اليابانية ، فقد ترجم كلمة الأخوة على أنها "友愛" بدلا من الترجمة الحالية "博愛" لذا فعندما أشير إلى "友愛" فانا لا أشير إلى شيء رخو وإنما إلى مفهوم قوي و صلب كان رايةً لثورة.
منذ خمسة وثمانين عاما، في عام 1923 ، نشر كودينهوف كاليرجي كتابه "لعموم أوروبا Pan-Europa "،مطلقاً حركة النزعة الأوروبية التي أدت في النهاية إلى تشكيل الاتحاد الأوروبي. كودينهوف كاليرجي كان ابن نبيل نمساوي أرسل الى اليابان بصفته وزير دولة ، وميتسوكو أوياما ، ابنة تاجر التحف من أزابو في طوكيو. أحد الأسماء الوسطى للكونت كان اسم إيجيرو الياباني.
في عام 1935 ، نشركودينهوف كاليرجي كتابه "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" الذي تضمن انتقادات شديدة للشيوعية السوفياتية والنازية ، وكذلك انطباعاته عن انغماس الرأسمالية في ذاتها تاركة مثل هذه الأيديولوجيات لتزدهر. آمن كودينهوف كاليرجي أن الحرية تشكل الأساس لكرامة الإنسان ، وأن قيمتها بالتالي لا تضاهى. و من أجل ضمان الحرية ، فقد أيد نظام الملكية الخاصة. ومع ذلك ، كان قانطاً لأن المستوى الكبير من عدم المساواة الاجتماعية التي تنتجها الرأسمالية قد ساعد على نشوء الشيوعية عن طريق تهيئة البيئة التي تطمح إلى تحقيق المساواة بين الناس ، وأيضا لأن هذا أدى إلى ظهور الاشتراكية الوطنية كبديل عن كل من الرأسمالية والشيوعية. "الحرية من دون الإخاء تؤدي إلى الفوضى. والمساواة من دون الإخاء تؤدي إلى الاستبداد".
ناقش كودينهوف كاليرجي كيفية ان كلا من الاستبداد -الذي حاول تحقيق المساواة بأي ثمن- ، والرأسمالية ، التي كانت قد سقطت في الانغماس في الملذات، تجاهلا الكرامة الإنسانية مما أسفر عن معاملة البشر كوسيلة بدلا من غاية. و رغم أن الحرية والمساواة هامة للإنسانية ، فلو تم اعتناقها إلى درجة التطرف الأصولي ، فكلتيهما قد تؤديان إلى فظائع لا تحصى. ولذلك ، أدرك كودينهوف كاليرجي ضرورة وجود مفهوم من شأنه ان يحقق التوازن والحفاظ على احترام الإنسانية. هذا هو ما سعى اليه في فكرة الإخاء.
"الانسان هو الغاية وليس وسيلة، الدولة هي وسيلة وليست غاية.“ هذه هي الأسطر الأولى من كتاب "الدولة الاستبدادية ضد الانسان." في الوقت الذي كان كودينهوف كاليرجي يضع فيه أفكاره في هذا الكتاب،كان هناك شكلان من الاستبداد سائدان في أوروبا ، و كان منزله في النمسا، البلد الذي يتعرض للتهديد من قبل الضم مع المانيا الهتلرية.
سافر كودينهوف كاليرجي في جميع أنحاء أوروبا لمناصرة قضية النزعة الأوروبية ومنتقداً هتلر وستالين، لكن جهوده ذهبت سدى. فقد سقطت النمسا على أيدي النازيين و أجبر كودينهوف كاليرجي على الفرار بخيبة أمل إلى المنفى في الولايات المتحدة. و يقال أن فيلم "كازابلانكا" يصور رحلته هذه. و عندما يتحدث كودينهوف كاليرجي عن "ثورة الإخاء" ، فهو يشير الى فلسفة قتال دعمت معركة شرسة ضد الاستبداد الشمولي في كل من اليسار واليمين في تلك الفترة.
بعد انتهاء الحرب، عُزِلَ إيشيرو هاتوياما من المناصب العامة عندما كان يقترب من أن يصبح رئيسا للوزراء ، و قد قرأ أعمال كودينهوف كاليرجي مستفيداً من حياة الفراغ التي فرضت عليه. و قد صدمته "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" الى درجة دفعته انه أخذ على عاتقه ترجمته إلى اللغة اليابانية، و قد نشرت ترجمته بعنوان "الحرية والحياة".
بالنسبة لايتشيرو ، الذي كان شديد الانتقاد لكل من الشيوعية والاقتصادات المخططة التي يقودها العسكر ، "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" وفر أنسب نظام نظري لمكافحة شعبية الماركسية التي بدأت في التزايد في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية (الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي، و حركات العمال) و لبناء ديموقراطية برلمانية معافاة. وبينما كان إيشيرو هاتوياما يقاتل في مواجهة النفوذ المتنامي للأحزاب الاشتراكية والشيوعية ، فقد استخدم كلمة "الإخاء" على علم في محاولة لاسقاط الحكومة البيروقراطية التي قادها شيجيرو يوشيدا واستبدالها بوزارته من سياسيي الأحزاب .
و قد أعرب هاتوياما بإيجاز عن ذلك في "خطة عمل اتحاد إخاء الشباب" ، حيث كتب إيشيرو هاتوياما في عام 1953: "وتحت علم الليبرالية ، سنكرس أنفسنا لثورة الإخاء، متجنبين الأيديولوجيات المتطرفة اليسارية و اليمينية ، وعاملين بثبات للوصول إلى مجتمع صحي وديمقراطي مفعم بالحيوية وبناء دولة حرة مستقلة و متحضرة".
و لا يزال مفهوم الإخاء لدى إيشيرو هاتوياما مؤثراً كتيار كامن ضمن الأحزاب اليابانية المحافظة ما بعد الحرب.
بعد تعديل المعاهدة الأمنية بين اليابان والولايات المتحدة في عام 1960 ، تغير اتجاه الحزب الديموقراطي الليبرالي بشكل ملحوظ وبدأ في وضع الأولوية على سياسات التوفيق بين العمال و الادارات.هذه السياسات تشكل أساس فترة النمو الاقتصادي السريع في اليابان، و معبر عنها على أفضل وجه في الميثاق الأساسي للحزب الديمقراطي الليبرالي الذي كتب عام 1965 ليكون بمثابة نوع من خطة عمل. الفصل الأول من هذا الميثاق ، الذي هو بعنوان "الكرامة الإنسانية" ، ينص على أن "حياة الإنسان لا تقدر بثمن ، و تشكل بذاتها الغاية . حياة البشر يجب ألا تصبح وسيلة ". عبارة مماثلة يمكن العثور عليها في ميثاق عمل الحزب الديموقراطي الليبرالي ، وهي الوثيقة التي تدعو الى المصالحة مع الحركة العمالية. هذه العبارات تستعير بوضوح من كتابات كودينهوف كاليرجي، و من المرجح جدا أنها تأثرت بأفكار إيشيرو هاتوياما حول الأخوة. ساهمت هاتان الوثيقتان في تشكيل وزارتي هاتوياما و إيشيباشي ،و كتب كلاهما هيروهيده ايشيدا، وهو السياسي الذي شغل منصب وزير العمل في وزارة ايكيدا وكان مسؤولا عن وضع اليابان على مسار سياسات المصالحة بين العمال و الادارات.
نهاية عهد حكم الحزب الواحد الحزب الديموقراطي الليبرالي ، والإعلان عن الحزب الديموقراطي الياباني
في فترة ما بعد الحرب ، واجه الحزب الليبرالي الديموقراطي القوى الاشتراكية داخل اليابان وخارجها ، وكرس نفسه لاعادة اعمار اليابان وتحقيق النمو الاقتصادي المرتفع. كانت هذه إنجازات بارزة تستحق مكانها في التاريخ. ولكن ، حتى بعد نهاية الحرب الباردة ، سقط الحزب الليبرالي الديموقراطي في فخ "سياسة الجمود" ، واستمر في التصرف كما لو كان النمو الاقتصادي في حد ذاته هدفا وطنيا في اليابان. لقد فشل الحزب باستمرار في التأقلم مع البيئة المتغيرة المعاصرة والتحول نحو سياسات تهدف إلى تحسين نوعية حياة الناس.
في نفس الوقت ، فإن العلاقات غير الصحية المستمرة بين السياسيين والبيروقراطيين والشركات أدت إلى الفساد السياسي ، وهو مرض طويل الأمد للحزب الديموقراطي الليبرالي. عندما انتهت الحرب الباردة ، شعرت بقوة بأن الدور التاريخي للحزب الديموقراطي الليبرالي في دعم النمو الاقتصادي السريع لليابان قد وصل الى نهايته ، وان الوقت قد حان للحصول على مقعد جديد من المسؤولية السياسية.
ولذلك ، خرجت من الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي كان قد أسسه جدي، وبعد أن شاركت في تأسيس الحزب الجديد ساكيجاكه، أصبحت لاحقاً القائد المؤسس للحزب الديمقراطي الياباني. تأسس الحزب الديموقراطي الياباني (السابق) في 11 سبتمبر 1996. و كانت العبارات التالية مدرجة في بيان التأسيس: "من اليوم فصاعدا ، نود أن نضع روح الإخاء في قلب مجتمعنا. حيث يمكن للحرية أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى بيئة غير مقيدة يفترس القوي فيها الضعيف.
كما يمكن للمساواة أن تتسبب بسهولة في شكل مؤذ تكون كل الاختلافات فيه منتقدة.الإخاء هو القوة التي يمكن أن تمنع مثل هذا التطرف من الحرية والمساواة، و لكن قوة الإخاء قد تم تهميشها على مدى السنوات ال 100 الماضية أو نحو ذلك. حيث حرصت الدول الحديثة حتى القرن العشرين إلى حشد الناس مما يعني ميلاً لتقدير قيمتهم باعتبارهم كتلة واحدة (وليس كأفراد). . . . نحن نعتقد أن كل إنسان لديه شخصية فردية متنوعة لا حدود لها، و كل حياة انسانية لا يمكن تعويضها. هذا هو السبب في أننا نؤمن بمبدأ 'الاستقلال الذاتي' الذي يكون لكل فرد من خلاله الحق في البت في مصيره، والالتزام بتحمل المسؤولية عن نتائج اختياراته. في الوقت نفسه ، علينا أن نؤكد أيضا على أهمية مبدأ 'التعايش مع الآخرين" الذي من خلاله يحترم الناس استقلال الآخرين و اختلافهم بينما يعملون أيضا على فهم بعضهم البعض والسعى لايجاد ارضية مشتركة للعمل التعاوني. نحن نعتقد أننا يجب أن تلتزم بثبات بهذه المبادئ من الاستقلال والتعايش ليس فقط في سياق العلاقات الشخصية داخل المجتمع الياباني ولكن أيضا في سياق العلاقات بين اليابان والدول الأخرى ، والعلاقة بين البشر والبيئة. "
الكاتب سانياتسو موشانوكوجي كتب العبارة المشهورة : "أنا أنا ، و أنت أنت ، و رغم ذلك أصدقاء حميمين". وأعتقد أن هذه الكلمات تعبر حقا عن روح الإخاء . و تماما كما أن المثل العليا للحرية والمساواة تتطور مع البيئة المعاصرة ، سواء من حيث التعبير عنها ومضمونها ، فإن فكرة "الإخاء" ، والتي تدعونا إلى احترام الأفراد تتطور أيضاً مع الزمن. عندما رأيت انهيار الأنظمة الشمولية التي عارضها كلا من كودينهوف كاليرجي وجدي، فقد فهمت تعريف الإخاء على أنه "مبدأ الاستقلال والتعايش".
ثلاثة عشر عاما مرت منذ أن اسسنا الحزب الديموقراطي الياباني السابق. خلال ذلك الوقت منذ ذلك الحين ، ابتليت يابان ما بعد الحرب الباردة باستمرار برياح أصولية السوق في الحركة التي تقودها الولايات المتحدة والتي عادة ما تسمى العولمة. من المفترض أن الحرية أعلى من كل القيم ، ولكن السعي الأصولي للرأسمالية ، والتي يمكن وصفها بأنها "الحرية مصاغة بتعابير اقتصادية" ، أدت إلى معاملة الناس ليس كغاية بل كوسيلة. وبالتالي فقدت كرامة الإنسان. الأزمة المالية الأخيرة وتداعياتها ، مرة أخرى ، تجبرنا على أن نحيط علما بهذه الحقيقة. كيف يمكن أن نضع حدا للرأسمالية المالية و أصولية السوق المنفلتة التي تخلو من الأخلاق أو الاعتدال ، من أجل حماية أموال و حيوات مواطنينا؟ تلك هي المشكلة التي نواجهها الآن. في هذه الأوقات ، أدركت أنه يجب علينا أن نتذكر مرة أخرى دور الإخاء كما حددها كودينهوف كاليرجي كقوة من أجل التخفيف من الخطر الكامن في إطار الحرية. لقد وصلت إلى قرار أنه يجب علينا مرة أخرى أن نرفع راية الإخاء . في 16 مايو ، 2009 ، و في اطار الاستعداد لانتخابات زعامة الحزب الديموقراطي الياباني ، أدليت بالتصريح الآتي : "سوف آخذ زمام المبادرة في الاجتماع مع أصدقائنا وزملائنا للتغلب على هذا الوضع الصعب ، وضمان أن نتوصل إلى تغيير الحكومة من أجل تحقيق مجتمع قائم متآخ قائم على التعايش". ماذا يعني لي الإخاء ؟ هو البوصلة التي تحدد اتجاهنا السياسي ، مقياس تحديد سياساتنا. وأعتقد أنه هو أيضا الروح التي تؤيد محاولاتنا لتحقيق "عصر الاستقلال والتعايش".
استعادة دور القطاع العام الذي أصيب بالوهن
في عصرنا الحالي ، يمكن وصف الإخاء بأنه المبدأ الهادف إلى ضبط تجاوزات الطراز الحالي المعولم من الرأسمالية ، وإجراء التعديلات لاستيعاب الممارسات الاقتصادية المحلية التي تم تعزيزها من خلال تقاليدنا. وبعبارة أخرى ، هو وسيلة لبناء مجتمع اقتصادي قائم على التعايش عن طريق التحول بعيدا عن سياسات أصولية السوق وتجاه السياسات التي تحمي وسائل العيش ، وسلامة الشعب.
ومن نافل القول أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة في جميع أنحاء العالم قد أدت إلى انهيار أصولية السوق والرأسمالية المالية التي دعت إليها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. هذه هي أصولية السوق و الرأسمالية المالية التي تقودها الولايات المتحدة و التي لها اسماء متعددة مثل "الاقتصاد العالمي" و "العولمة". وهذه الطريقة في التفكير مبنية على أساس المبدأ القائل بأن الطراز الأميركي من اقتصاد السوق الحر يمثل النظام الاقتصادي العالمي والمثالي ، وأنه ينبغي لجميع البلدان تعديل التقاليد والأنظمة التي تحكم اقتصاد بلادهم من أجل إصلاح هيكل مجتمعاتهم الاقتصادية تمشيا مع المعايير العالمية (أو بالأحرى المعايير الأمريكية). في اليابان ، انقسم الرأي حول المدى الذي يجب اتخاذه في الاتجاه نحو العولمة. بعض الناس ينادي باعتناق نشط للعولمة ويؤيد ترك كل شيء لمقتضيات السوق. آخرون يفضلون نهجا أكثر تحفظا ، معتبرين أن الجهد ينبغي أن يكون بدلا من ذلك على توسيع شبكة الأمان الاجتماعي وحماية مصالح الأنشطة الاقتصادية التقليدية. منذ إدارة رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي ، و الحزب الليبرالي الديمقراطي يؤكد على الرأي الأول في حين أننا في الحزب الديموقراطي الياباني نميل للموقف الثاني.
النظام الاقتصادي أو الأنشطة الاقتصادية المحلية في أي بلد تراكمت عبر سنوات طويلة وتعكس في كل بلد تأثير التقاليد والعادات وأنماط الحياة الوطنية. ولذلك ، فإن الأنشطة الاقتصادية في كل بلد متنوعة جدا بسبب العديد من العوامل ، بما في ذلك اختلاف التاريخ والتقاليد والعادات ،و النطاق الاقتصادي والمرحلة من مراحل التنمية. ومع ذلك ، تقدمت العولمة دون أي اعتبار للقيم المختلفة غير الإقتصادية ، ولا للقضايا البيئية أو مشاكل القيود على الموارد. فأصيبت الأنشطة الاقتصادية للمواطنين في البلدان الصغيرة بأضرار بالغة ، بل أن العولمة في بعض البلدان دمرت الصناعات التقليدية. يمكن الآن لرأس المال ووسائل الإنتاج أن تنتقل بسهولة عبر الحدود الدولية. ومع ذلك ، لا يستطيع الناس التحرك بسهولة. من ناحية نظرية السوق ، فالناس هم ببساطة نفقات عمال، ولكن في العالم الحقيقي فإن الناس هم من يدعم نسيج المجتمع المحلي و هم التجسيد المادي لنمط الحياة والتقاليد والثقافة. الفرد يكسب احترامه كشخص من خلال الحصول على وظيفة ودور داخل المجتمع المحلي والقدرة على الحفاظ على مستوى معيشة الأسرة.
إذا ألقينا نظرة على التغيرات التي طرأت على المجتمع الياباني منذ نهاية الحرب الباردة ، فأعتقد أنه ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن الاقتصاد العالمي قد آذى الأنشطة الاقتصادية التقليدية و أن أصولية السوق قد دمرت المجتمعات المحلية. على سبيل المثال ، فإن قرار خصخصة هيئة البريد اليابانية أهمل إلى حد كبير التاريخ الطويل للمؤسسة، و الدور التقليدي الذي لعبه موظفوها في المجتمع المحلي. كما أنه تجاهل الفوائد غير الإقتصادية من مكتب البريد وقيمته في المجتمع. حيث استخدم منطق السوق لتبرير اتخاذ مثل هذه الخطوة المأساوية.
وفقا لمبدأ الإخاء فنحن لن ننفذ سياسات تترك الأنشطة الاقتصادية في المجالات المتعلقة بحياة الإنسان وسلامته ، مثل الزراعة ، والبيئة ، والطب ، تحت رحمة أمواج العولمة. بدلا من ذلك ، نحن بحاجة إلى تعزيز القواعد الناظمة لسلامة الأرواح البشرية والاستقرار في معيشة الناس. مسؤوليتنا نحن السياسيين هي إعادة تركيز اهتمامنا على تلك القيم غير الإقتصادية التي ألقيت جانبا من مسيرة العولمة. يجب علينا أن نعمل على السياسات التي تعمل على تجديد الروابط التي تجمع بين الناس ، التي تراعي بقدر أكبر الطبيعة والبيئة ، أن نعيد بناء أنظمة الرعاية الاجتماعية والطبية ، والتي توفر أفضل تعليم وتربية للأطفال وتقدم الدعم لمعالجة أوجه التفاوت في الثروة. هذا هو المطلوب من أجل خلق بيئة يمكن فيها لكل مواطن على حدة أن يسعى لتحقيق السعادة.
على مدى السنوات الأخيرة ، ، تآكلت الخدمات العامة التقليدية في اليابان. الروابط التي تجمع بين الناس أصبحت أضعف و بهتت روح الخدمة العامة. في المجتمع اليوم يمكن تقسيم الأنشطة الاقتصادية إلى أربعة قطاعات : الحكومية ، والشركات ، وغير الربحية والمنزلية. في حين أن الفئات الأولى والثانية والرابعة تشرح نفسها بنفسها ، بالفئة الثالثة أعني أنواع المساعدة المتبادلة التي كانت تقدمها جمعيات الأحياء والتي أصبحت الآن تقدم من خلال المنظمات غير الربحية. فمع تطور المجتمع اقتصادياً و ازدياد تعقيده، فإن نطاق الخدمات التي لا يمكن توفيرها من قبل السلطات والشركات وأفراد العائلة ينمو على نحو متوسع باستمرار. وهذا هو السبب في أنه كلما ازداد تقدم البلد فإن الدور الاجتماعي الذي تلعبه المنظمات غير الربحية يزداد. هذا أساس "التعايش". هذه الأنشطة ليست مسجلة في الناتج المحلي الإجمالي ، ولكن عند العمل لبناء مجتمع لديه حقا مستويات معيشة مرتفعة ، فإن نطاق وعمق الخدمات العامة من هذا القبيل ، المقدمة من خلال أنشطة غير ربحية ، ومجموعات المواطنين وغيرها من الأنشطة الاجتماعية ، هي ذات أهمية كبيرة. السياسة على أساس "الإخاء" من شأنها أن تستعيد قوة قطاع الخدمات العامة غير الربحية المنهك في اليابان. انها ستوسع القطاع غير الربحي في مجالات جديدة وتقدم المساعدة للناس الذين يدعمون هذه الأنشطة. وبهذه الطريقة ، نحن نهدف الى بناء مجتمع التعايش الذي يمكن للناس فيه أن يعيدوا اكتشاف العلاقات التي تجلبهم معا ، ويساعد كل منهم الآخر ، ويجدوا معنى في الانجاز من خلال قيامهم بدور مجتمعي مفيد.
من الصحيح بالطبع ان اليابان تواجه حاليا ازمة مالية. ومع ذلك ، فإن "سياسة الإخاء" تهدف بحذر و لكن بشكل مطرد الى مسار سوف يحقق إعادة هيكلة مالية الحكومة وإعادة بناء نظام الرعاية معاً ،ولذلك فإنني أعتقد أنه سيكون من المستحيل التغلب على الأزمة المالية في اليابان من دون نقل السلطة إلى السلطات المحلية ، وتنفيذ إصلاح إداري شامل واستعادة ثقة الجمهور في استدامة نظم الضمان الاجتماعي ، وخصوصا المعاشات التقاعدية. وبعبارة أخرى ، حل مشاكلنا المالية أمر مستحيل من دون اعادة بناء شاملة للنظم السياسية اليابانية.
انشاء الدولة الوطنية المعززة للسلطات المحلية
عندما ألقيت الخطاب الذي أعلنت فيه ترشيحي لمنصب رئيس الحزب الديموقراطي الياباني ، ذكرت أن "أول أولوياتي السياسية" هو "الإصلاح بالابتعاد عن الدولة الوطنية القائمة على السلطة المركزية وإنشاء دولة على أساس نقل السلطة إلى السلطات المحلية". و قد أدرجنا وجهة نظر مماثلة في البيان التأسيسي عندما شكلنا الحزب الديموقراطي الياباني السابق قبل 13 عاما. آنذاك ، كان هدفنا هو الوصول إلى دولة قائمة على أساس تفويض الصلاحيات للسلطات الاقليمية و المحلية. كنا نهدف الى تحقيق ذلك من خلال الحد من دور السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية المركزيتين وتعزيز الإدارات المحلية الكفؤة التي تتمتع بسلطة كبيرة. وعلاوة على ذلك ، و بناء على هذا النظام الجديد للحكومة ، نحن نهدف إلى إقامة نظم رعاية واسعة النطاق تقوم على مشاركة المواطنين والمساعدة المتبادلة في المجتمع المحلي ، و في نفس الوقت إلى إنشاء نظم مالية و طبية ونظم معاشات تقاعدية لا تفرض ديوناً على الأجيال المقبلة.
الكونت كودينهوف كاليرجي في "ثورة الإخاء" (الفصل 12 من "الدولة الشمولية ضد الانسان") كتب ما يلي: "الشرط السياسي للإخاء هو الفيدرالية ، البناء الطبيعي والعضوي للدولة انطلاقا من أفرادها. الوصول من الانسان إلى الكون ممكن من خلال دوائر متحدة المركز : يبني الأفراد أسراً، و تبني الأسر بلديات، و تبني البلديات كانتونات، و تبني الكانتونات دولاً، و تبني الدول قارات، و تبني القارات كواكب، و تبني الكواكب النظم الشمسية ، و تبني النظم الشمسية الكون." بلغة اليوم ، ما وصفه كودينهوف كاليرجي هنا هو مبدأ "التفويض للأدنى " subsidiarity ، وهو نهج سياسي حديث له جذوره في الإخاء.
الحقيقة هي أنه في عصرنا هذا لا يمكننا تجنب العولمة الاقتصادية. ومع ذلك ، في الاتحاد الأوروبي ، حيث التكامل الاقتصادي القوي ، هناك أيضا اتجاه ملحوظ نحو المحلية. الأمثلة على ذلك تشمل الفيدرالية في بلجيكا وانفصال واستقلال جمهورية التشيك وسلوفاكيا. ضمن بيئة اقتصادية معولمة، كيف يمكننا الحفاظ على الاستقلال الذاتي للبلدان و الأقاليم، والتي تكون أساس التقاليد والثقافة؟ هذه قضية ذات أهمية ، ليس فقط بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولكن أيضا بالنسبة لليابان أيضا.
ردا على المطالب المتضاربة للعولمة والأقلمة ، دعا الاتحاد الأوروبي إلى مبدأ التفويض للأدنى في معاهدة ماستريخت ، والميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي. مبدأ التفويض للأدنى ليس فقط القاعدة التي تقول أن السلطات المحلية يجب ان تكون دائما لها الأولوية ، بل هي المبدأ الذي يمكن أيضا أن تكون أساس تحديد العلاقة بين الدول الوطنية والمؤسسات الدولية. يمكننا تفسير مبدأ التفويض للأدنى من هذا المنظور على النحو التالي : المسائل التي يمكن التعامل معها من قبل الفرد يجب أن تحل من قبل الفرد. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الفرد يمكن حلها بمساعدة الأسرة. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الأسرة يمكن حلها بمساعدة من المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية. و فقط عندما لا يمكن حل المسألة على هذا المستوى فعلى السلطات أن تتدخل. و بطبيعة الحال ، ينبغي أن تحل المسائل التي يمكن التعامل معها من قبل الحكومة المحلية من قبل الحكومة المحلية. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الحكومة المحلية يمكن حلها على المستوى الحكومي الوسيط التالي، و المسائل التي لا يستطيع هذا المستوى الحكومي التعامل معها ، مثلا في مجال الدبلوماسية والدفاع والقرارات بشأن سياسة الاقتصاد الكلي ، ينبغي التعامل معها من قبل الحكومة المركزية. وأخيرا ، ينبغي أن تنقل حتى بعض عناصر السيادة الوطنية ، مثل إصدار العملة ، إلى المؤسسات الدولية ، مثل الاتحاد الأوروبي.
مبدأ التفويض للأدنى بالتالي وضع سياسة لتفويض السلطات تشدد على المستوى الأدنى للحكومة المحلية. و عند بحثنا عن طرق لتحديث مفهوم الإخاء، فإننا نصل بشكل طبيعي إلى فكرة وجود دولة قائمة على أساس تفويض السلطات للأقاليم مرتكزة على مبدأ التفويض للأدنى. عند الحديث عن إصلاح نظام السلطة المحلية في اليابان ، بما في ذلك إمكانية استحداث نظام لحوالي 10 من التكتلات الإقليمية لتحل محل محافظات اليابان 47، يجب ألا ننسى أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية : ما هو الحجم المناسب للسلطات المحلية (التي تجسد التقاليد والثقافة)؟ ما هو الحجم المناسب للسلطات المحلية من حيث فعاليتها الوظيفية للسكان المحليين؟ خلال خطاب أدليت به في وقت الانتخابات الرئاسية للحزب الديمقراطي ، قلت التعليقات التالية : "أقترح الحد من دور الحكومة المركزية الى الدبلوماسية والدفاع والسياسة النقدية والسياسة المالية ، والموارد والطاقة والسياسة البيئية. بينما أقترح نقل ما يلي إلى أدنى مستوى من مستويات الحكم المحلي: السلطة ، و الحق في فرض الضرائب ، والأفراد اللازمين لتوفير خدمات تتصل اتصالا وثيقا بمعيشة الناس. أقترح إنشاء أطر من شأنها أن تسمح للسلطات المحلية بتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات ، وتملك الوسائل لتنفيذها. أقترح إلغاء النظام الحالي للتحويلات المالية من الحكومة المركزية (والتي لا يمكن استخدامها إلا لغرض خاص محدد)، وبدلا من ذلك تقديم دفعة واحدة الى السلطات المحلية التي يمكن أن تستخدمها وفقا لتقديرها. وبعبارة أخرى ، سوف تنهار علاقة سيد-تابع الراهنة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية و تحل محلها علاقة متساوية على أساس تقاسم المسؤوليات. هذا الإصلاح سيؤدي إلى تحسين الكفاءة العامة للبلد بأسره ، وتسهيل الخدمات الإدارية المعدلة بحيث تراعي إلى أقصى حد الاحتياجات المحلية ، و وجهات نظر المواطنين المحليين. " السبيل الوحيد لتحقيق الاقاليم للاستقلالية و الحكم الذاتي و الاختصاص لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم ، هي نقل مجموعة واسعة من الموارد وسلطات كبيرة إلى السلطات المحلية التي هي اقرب في الاتصال مع المواطنين ، وهو نهج يوضح أيضاً العلاقة بين الأعباء على المواطنين والخدمات التي يتلقونها. هذا النهج من شأنه تسهيل تفعيل الأنشطة الاقتصادية المحلية. وهو أيضا الطريق نحو بناء يابان أكثر تميزا، جاذبية و جمالاً. و إنشاء الدولة القائمة على تمكين السلطات المحلية يمثل تجسيدا لسياسة حديثة من الإخاء ومناسب جدا كهدف سياسي في عصرنا.
التغلب على النزعات القومية من خلال مجموعة دول شرق اسيا
هدف وطني آخر ينبثق من مفهوم الإخاء هو إنشاء مجموعة دول شرق اسيا. بطبيعة الحال ، فإن معاهدة الأمن بين اليابان والولايات المتحدة لا تزال تشكل حجر الزاوية في السياسة الدبلوماسية اليابانية. و مما لا شك فيه ، أن العلاقة بين اليابان والولايات المتحدة تشكل دعامة مهمة لدبلوماسيتنا. ومع ذلك ، في الوقت نفسه ، يجب ألا ننسى هويتنا كدولة تقع في آسيا. وأعتقد أن منطقة شرق آسيا ، والتي تظهر بشكل متزايد الحيوية في نموها الاقتصادي و الازدياد في العلاقات المتبادلة بين بلدانها ، يجب أن تعتبر المجال الأساسي لوجود اليابان. لذا ، يجب علينا مواصلة بذل الجهود الرامية إلى بناء أطر للتعاون الاقتصادي المستقر والأمن الوطني في جميع أنحاء المنطقة.
جعلت الأزمة المالية الأخيرة الكثير من الناس يقولون أن عصر الأحادية الأمريكية قد وصل الى نهايته. كما جعلت الشكوك تحوم بين الناس حول دوام الدولار كعملة عالمية رئيسية. و أنا أيضاً أشعر أنه نتيجة لفشل الحرب في العراق والأزمة المالية ، فإن عصر العولمة التي تقودها الولايات المتحدة هي على وشك الانتهاء ، وأننا نتحرك بعيدا عن عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة نحو عصر متعدد الأقطاب. ومع ذلك ، في الوقت الحاضر ، لا توجد دولة واحدة مستعدة لتحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر سيطرة في العالم. و لا توجد عملة مستعدة لتحل محل الدولار باعتباره العملة العالمية الرئيسية. ولذلك ، حتى لو كنا بصدد التحول من أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب ، فإن أفكارنا عن ما يمكن توقعه هو في أفضل الأحوال غامضا ، ونحن نشعر بالقلق لأن هذه الأشكال الجديدة التي ستتخذها السياسة العالمية والاقتصاد لا تزال غير واضحة. وأعتقد أن هذا يصف جوهر الأزمة التي نواجهها الآن.
على الرغم من أن نفوذ الولايات المتحدة آخذ في الانخفاض ، فان الولايات المتحدة سوف تبقى الرائدة في العالم كقوة عسكرية واقتصادية على مدى العقدين أو الثلاثة المقبلة. التطورات الحالية تظهر بوضوح أن الصين التي تتمتع الآن بأكبر عدد من السكان في العالم ، سوف تصبح واحدة من الدول القائدة لاقتصاد العالم ، وفي الوقت نفسه تستمر في توسيع قوتها العسكرية. حجم اقتصاد الصين سوف يتفوق على اليابان في وقت ليس ببعيد. كيف يتعين على اليابان أن تحافظ على استقلالها السياسي والاقتصادي و أن تحمي مصالحها الوطنية عندما تكون محصورة بين الولايات المتحدة ، التي تقاتل من اجل الاحتفاظ بمكانتها في العالم كقوة مهيمنة ، والصين ، التي تسعى إلى إيجاد سبل لتصبح واحدة من هذه القوى؟ البيئة الدولية المحيطة باليابان في المستقبل لا تبدو سهلة. هذا هو السؤال المقلق ليس فقط بالنسبة لليابان وإنما أيضا للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم في آسيا. انهم يريدون من القوة العسكرية للولايات المتحدة العمل بشكل فعال لتحقيق الاستقرار في المنطقة لكنهم يريدون أيضاً كبح جماح تجاوزاتها السياسية والاقتصادية. وهم أيضا يريدون الحد من التهديد العسكري الذي تشكله جارتنا الصين مع ضمان أن التطور الاقتصادي للصين سيستمر بطريقة منظمة. وأعتقد أن هذه هي مطالب جوهرية من مختلف الدول في المنطقة. و هذا أيضا عامل رئيسي في تسريع التكامل الاقليمي.
اليوم ، و مع ركود الفلسفات السياسية والاقتصادية فوق القومية من ماركسية وعولمة ،سواء أكان هذا جيداً أم سيئاً، فقد عاد التأثير الكبير للقومية على قرارات السياسات في البلدان المختلفة. و كما تجلى في اعمال الشغب المناهضة لليابان التي حدثت في الصين منذ سنوات قليلة ، فإن انتشار شبكة الإنترنت قد سرع من الاندماج بين القومية و الشعبوية ، وأصبح ظهور اضطرابات سياسية لا يمكن السيطرة عليها هو خطر حقيقي جدا. و كما نبقى واعين بوجود هذه البيئة ، و نسعى إلى بناء هياكل جديدة للتعاون الدولي ، يجب علينا التغلب على النزعة القومية المفرطة في كل أمة ، والسير في الطريق نحو بناء قاعدة للتعاون الاقتصادي والأمن القومي. فعلى عكس أوروبا ، بلدان هذه المنطقة تختلف من حيث حجم السكان ومرحلة التنمية والنظم السياسية ، وبالتالي لا يمكن أن يتحقق التكامل الاقتصادي على المدى القصير. ومع ذلك ، أعتقد أنه ينبغي لنا أن نطمح إلى التحرك نحو التكامل الإقليمي للعملات باعتباره امتدادا طبيعيا لمسيرة النمو الاقتصادي السريع الذي بدأته اليابان ، و تلتها كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج ، ومن ثم حققته دول الاسيان والصين . لذا يجب علينا أن لا ندخر جهدا من أجل بناء أطر الأمن الدائمة و التي هي أساسية لتعزيز التكامل النقدي.
الاسيان واليابان والصين (بما في ذلك هونغ كونغ) وكوريا الجنوبية وتايوان تشكل الآن ربع الناتج المحلي الإجمالي في العالم. لقد ازدادت القوة الاقتصادية لمنطقة شرق آسيا والعلاقات المتبادلة المستقلة داخل المنطقة اتساعا وعمقا ، وهو أمر غير مسبوق. على هذا النحو ، فإن الهياكل الأساسية اللازمة لتشكيل كتلة اقتصادية اقليمية موجودة بالفعل. و من ناحية أخرى، و بسبب النزاعات التاريخية والثقافية القائمة بين بلدان هذه المنطقة ، بالإضافة إلى تضارب مصالح الأمن الوطني، فيجب أن نعترف بأن هناك قضايا سياسية صعبة عديدة. مشاكل زيادة العسكرة والنزاعات الاقليمية التي تقف في طريق التكامل الإقليمي ، لا يمكن حلها عن طريق المفاوضات الثنائية بين ، على سبيل المثال ، اليابان وكوريا الجنوبية أو اليابان والصين. فكلما نوقشت هذه المشاكل على المستوى الثنائي ، كلما ازداد خطر أن مشاعر المواطنين في كل بلد سوف تلتهب و سوف تتعاظم القومية. ولذلك ، و بنوع من المفارقة ، أود أن أقترح أن القضايا التي تقف في طريق التكامل الإقليمي لا يمكن أن يكون حلها إلا من خلال عملية الانتقال نحو قدر أكبر من التكامل الإقليمي. على سبيل المثال ، فإن تجربة الاتحاد الأوروبي بينت لنا كيف يمكن للتكامل الإقليمي أن ينزع فتيل النزاعات الإقليمية.
عند كتابة مسودة اقتراح لدستور ياباني جديد عام 2005 ، كتبت في التمهيد الكلمات التالية حول موضوع أهداف اليابان الوطنية لنصف القرن المقبل : نحن ، و لاعترافنا بأهمية كرامة الإنسان ، نسعى إلى التمتع ، جنبا إلى جنب مع شعوب العالم ، بفوائد السلام والحرية والديمقراطية ، ونلزم أنفسنا على العمل باستمرار ودون توقف من أجل تحقيق هدف إقامة نظام دائم وشامل للتعاون الاقتصادي والاجتماعي ونظام للأمن القومي الجماعي في المجتمع الدولي ، ولا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأعتقد أن هذا ليس فقط المسار الذي ينبغي أن نتبعه نحو تحقيق مبادئ المسالمة والتعاون المتعدد الأطراف التي ينادي بها الدستور الياباني ، بل و أيضاً الطريق المناسب لحماية الاستقلال السياسي والاقتصادي لليابان وتحقيق مصالحنا الوطنية من خلال موقفنا بين اثنين من القوى العظمى في العالم ، الولايات المتحدة والصين. وعلاوة على ذلك ، فإن هذا المسار يمثل التجسيد المعاصر لـ"ثورة الإخاء" الذي نادى بها الكونت كودينهوف كاليرجي.
على أساس هذا الوعي باتجاهنا المقصود ، يصبح من الواضح على سبيل المثال أن ردنا على الأزمة المالية العالمية الأخيرة لا يجب أن يكون مجرد إجراءات دعم محدود استخدمها سابقا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. بدلا من ذلك ، يجب علينا أن نعمل من أجل فكرة احتمال انشاء عملة آسيوية مشتركة في المستقبل . إنشاء عملة موحدة في آسيا من المرجح أن يستغرق أكثر من 10 سنوات. و حتى تجلب مثل هذه العملة التكامل السياسي فهذا بالتأكيد سوف يستغرق وقتا أطول من ذلك. و نظرا لخطورة الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة ، فقد يتساءل بعض الناس لماذا أستغرق وقتاً في مناقشة هذا الموضوع الذي يبدو دخيلاً. ومع ذلك ، فأنا أعتقد أنه كلما زادت الفوضوية و عدم الوضوح و عدم التأكد في المشاكل التي نواجهها ،كلما كانت الأهداف التي ينبغي للسياسيين أن يقودوا الشعب اليها أعلى وأكبر .
نحن نقف اليوم عند نقطة تحول في التاريخ العالمي ، وبالتالي هي نقطة اختبار للعزيمة والرؤية لدينا ، ليس فقط من حيث قدرتنا على صياغة سياسات لحفز الاقتصاد المحلي ، ولكن أيضا من حيث الطريقة التي نحاول من خلالها أن نبني نظاماً سياسياً و اقتصادياً عالمياً جديدا. وأود أن أختتم باقتباس عبارة من كودينهوف كاليرجي، والد الاتحاد الأوروبي ، كتبت قبل 85 عاما ، عندما نشر "لعموم أوروبا."
"كل الأفكار العظيمة التاريخية بدأت حلما طوباويا ، وانتهت حقيقة واقعة”
مقدمة المترجم
لم يطل مقام رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما كثيرا، فقد اضطر للاستفالة بعد عام واحد بسبب عدم قدرته على الوفاء بوعده الانتخابي و اغلاق القواعد الامريكية في اوكيناوا. و كان وصوله الى المنصب عام 2009 حدثا سياسيا مهما بعد انتخابات شهدت تغييراً جذرياً و هزيمة كبيرة للحزب الديموقراطي الليبرالي الذي سيطر على الساحة السياسية اليابانية لأكثر من نصف قرن. و كان من المتوقع أن يعني ذلك تغييرات جوهرية في اليابان تنعكس على العالم بأسره، مما بعث اهتماماً كبيراً في الأوساط السياسية العالمية بالاتجاهات المقبلة لحكومة الحزب الديمقراطي الياباني.
و قد نشر هاتوياما مقالة في عدد أيلول 2009 من مجلة فويس اليابانية أثارت ضجة في الصحف العالمية لما تبديه من نزعة مضادة للعولمة. و هي تضع خطة عمل لليابان داخلياً و خارجياً في المرحلة المقبلة استعداداً لعصر تعددية الأقطاب. المقالة تتحدث عن مفهوم "الإخاء" عنواناً للمرحلة و عن جذوره عند الكونت ريتشارد كودينهوف كاليرجي Coudenhove-Kalergi رائد فكرة الاتحاد الأوروبي، ثم تناقش الاصلاحات الاقتصادية المزمعة و السياسة الخارجية من خلال هذا المفهوم متطرقة لتأثيرات العولمة و الاصلاحات الليبرالية السابقة على المجتمعات المحلية، و واضعة أجندة طموحة على الصعيد الإقليمي.
فلسفتي السياسية
يوكيو هاتوياما
راية سياسي الحزب إيشيرو هاتوياما
كلمة "愛" والتي عادة ما تترجم بـ"الحب" هي كلمة واسعة الانتشار بين اليابانيين اليوم، لذلك، عندما أتحدث أنا عن الإخاء"友愛" و المكتوب بحرفي "الصداقة" و "الحب" فيبدو أن العديد من الناس يتصورون مفهوماً ليناً و ضعيفاً. ومع ذلك، فإنني عندما أتكلم عن الإخاء فأنا أشير هنا إلى مفهوم مختلف تماماً في الواقع، ما أتحدث عنه هو الإخاء كما ورد في "حرية ومساواة و إخاء" ، شعار الثورة الفرنسية.
عندما ترجم جدي إيشيرو هاتوياما واحدة من أعمال الكونت ريتشارد كودينهوف كاليرجي إلى اللغة اليابانية ، فقد ترجم كلمة الأخوة على أنها "友愛" بدلا من الترجمة الحالية "博愛" لذا فعندما أشير إلى "友愛" فانا لا أشير إلى شيء رخو وإنما إلى مفهوم قوي و صلب كان رايةً لثورة.
منذ خمسة وثمانين عاما، في عام 1923 ، نشر كودينهوف كاليرجي كتابه "لعموم أوروبا Pan-Europa "،مطلقاً حركة النزعة الأوروبية التي أدت في النهاية إلى تشكيل الاتحاد الأوروبي. كودينهوف كاليرجي كان ابن نبيل نمساوي أرسل الى اليابان بصفته وزير دولة ، وميتسوكو أوياما ، ابنة تاجر التحف من أزابو في طوكيو. أحد الأسماء الوسطى للكونت كان اسم إيجيرو الياباني.
في عام 1935 ، نشركودينهوف كاليرجي كتابه "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" الذي تضمن انتقادات شديدة للشيوعية السوفياتية والنازية ، وكذلك انطباعاته عن انغماس الرأسمالية في ذاتها تاركة مثل هذه الأيديولوجيات لتزدهر. آمن كودينهوف كاليرجي أن الحرية تشكل الأساس لكرامة الإنسان ، وأن قيمتها بالتالي لا تضاهى. و من أجل ضمان الحرية ، فقد أيد نظام الملكية الخاصة. ومع ذلك ، كان قانطاً لأن المستوى الكبير من عدم المساواة الاجتماعية التي تنتجها الرأسمالية قد ساعد على نشوء الشيوعية عن طريق تهيئة البيئة التي تطمح إلى تحقيق المساواة بين الناس ، وأيضا لأن هذا أدى إلى ظهور الاشتراكية الوطنية كبديل عن كل من الرأسمالية والشيوعية. "الحرية من دون الإخاء تؤدي إلى الفوضى. والمساواة من دون الإخاء تؤدي إلى الاستبداد".
ناقش كودينهوف كاليرجي كيفية ان كلا من الاستبداد -الذي حاول تحقيق المساواة بأي ثمن- ، والرأسمالية ، التي كانت قد سقطت في الانغماس في الملذات، تجاهلا الكرامة الإنسانية مما أسفر عن معاملة البشر كوسيلة بدلا من غاية. و رغم أن الحرية والمساواة هامة للإنسانية ، فلو تم اعتناقها إلى درجة التطرف الأصولي ، فكلتيهما قد تؤديان إلى فظائع لا تحصى. ولذلك ، أدرك كودينهوف كاليرجي ضرورة وجود مفهوم من شأنه ان يحقق التوازن والحفاظ على احترام الإنسانية. هذا هو ما سعى اليه في فكرة الإخاء.
"الانسان هو الغاية وليس وسيلة، الدولة هي وسيلة وليست غاية.“ هذه هي الأسطر الأولى من كتاب "الدولة الاستبدادية ضد الانسان." في الوقت الذي كان كودينهوف كاليرجي يضع فيه أفكاره في هذا الكتاب،كان هناك شكلان من الاستبداد سائدان في أوروبا ، و كان منزله في النمسا، البلد الذي يتعرض للتهديد من قبل الضم مع المانيا الهتلرية.
سافر كودينهوف كاليرجي في جميع أنحاء أوروبا لمناصرة قضية النزعة الأوروبية ومنتقداً هتلر وستالين، لكن جهوده ذهبت سدى. فقد سقطت النمسا على أيدي النازيين و أجبر كودينهوف كاليرجي على الفرار بخيبة أمل إلى المنفى في الولايات المتحدة. و يقال أن فيلم "كازابلانكا" يصور رحلته هذه. و عندما يتحدث كودينهوف كاليرجي عن "ثورة الإخاء" ، فهو يشير الى فلسفة قتال دعمت معركة شرسة ضد الاستبداد الشمولي في كل من اليسار واليمين في تلك الفترة.
بعد انتهاء الحرب، عُزِلَ إيشيرو هاتوياما من المناصب العامة عندما كان يقترب من أن يصبح رئيسا للوزراء ، و قد قرأ أعمال كودينهوف كاليرجي مستفيداً من حياة الفراغ التي فرضت عليه. و قد صدمته "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" الى درجة دفعته انه أخذ على عاتقه ترجمته إلى اللغة اليابانية، و قد نشرت ترجمته بعنوان "الحرية والحياة".
بالنسبة لايتشيرو ، الذي كان شديد الانتقاد لكل من الشيوعية والاقتصادات المخططة التي يقودها العسكر ، "الدولة الاستبدادية ضد الانسان" وفر أنسب نظام نظري لمكافحة شعبية الماركسية التي بدأت في التزايد في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية (الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي، و حركات العمال) و لبناء ديموقراطية برلمانية معافاة. وبينما كان إيشيرو هاتوياما يقاتل في مواجهة النفوذ المتنامي للأحزاب الاشتراكية والشيوعية ، فقد استخدم كلمة "الإخاء" على علم في محاولة لاسقاط الحكومة البيروقراطية التي قادها شيجيرو يوشيدا واستبدالها بوزارته من سياسيي الأحزاب .
و قد أعرب هاتوياما بإيجاز عن ذلك في "خطة عمل اتحاد إخاء الشباب" ، حيث كتب إيشيرو هاتوياما في عام 1953: "وتحت علم الليبرالية ، سنكرس أنفسنا لثورة الإخاء، متجنبين الأيديولوجيات المتطرفة اليسارية و اليمينية ، وعاملين بثبات للوصول إلى مجتمع صحي وديمقراطي مفعم بالحيوية وبناء دولة حرة مستقلة و متحضرة".
و لا يزال مفهوم الإخاء لدى إيشيرو هاتوياما مؤثراً كتيار كامن ضمن الأحزاب اليابانية المحافظة ما بعد الحرب.
بعد تعديل المعاهدة الأمنية بين اليابان والولايات المتحدة في عام 1960 ، تغير اتجاه الحزب الديموقراطي الليبرالي بشكل ملحوظ وبدأ في وضع الأولوية على سياسات التوفيق بين العمال و الادارات.هذه السياسات تشكل أساس فترة النمو الاقتصادي السريع في اليابان، و معبر عنها على أفضل وجه في الميثاق الأساسي للحزب الديمقراطي الليبرالي الذي كتب عام 1965 ليكون بمثابة نوع من خطة عمل. الفصل الأول من هذا الميثاق ، الذي هو بعنوان "الكرامة الإنسانية" ، ينص على أن "حياة الإنسان لا تقدر بثمن ، و تشكل بذاتها الغاية . حياة البشر يجب ألا تصبح وسيلة ". عبارة مماثلة يمكن العثور عليها في ميثاق عمل الحزب الديموقراطي الليبرالي ، وهي الوثيقة التي تدعو الى المصالحة مع الحركة العمالية. هذه العبارات تستعير بوضوح من كتابات كودينهوف كاليرجي، و من المرجح جدا أنها تأثرت بأفكار إيشيرو هاتوياما حول الأخوة. ساهمت هاتان الوثيقتان في تشكيل وزارتي هاتوياما و إيشيباشي ،و كتب كلاهما هيروهيده ايشيدا، وهو السياسي الذي شغل منصب وزير العمل في وزارة ايكيدا وكان مسؤولا عن وضع اليابان على مسار سياسات المصالحة بين العمال و الادارات.
نهاية عهد حكم الحزب الواحد الحزب الديموقراطي الليبرالي ، والإعلان عن الحزب الديموقراطي الياباني
في فترة ما بعد الحرب ، واجه الحزب الليبرالي الديموقراطي القوى الاشتراكية داخل اليابان وخارجها ، وكرس نفسه لاعادة اعمار اليابان وتحقيق النمو الاقتصادي المرتفع. كانت هذه إنجازات بارزة تستحق مكانها في التاريخ. ولكن ، حتى بعد نهاية الحرب الباردة ، سقط الحزب الليبرالي الديموقراطي في فخ "سياسة الجمود" ، واستمر في التصرف كما لو كان النمو الاقتصادي في حد ذاته هدفا وطنيا في اليابان. لقد فشل الحزب باستمرار في التأقلم مع البيئة المتغيرة المعاصرة والتحول نحو سياسات تهدف إلى تحسين نوعية حياة الناس.
في نفس الوقت ، فإن العلاقات غير الصحية المستمرة بين السياسيين والبيروقراطيين والشركات أدت إلى الفساد السياسي ، وهو مرض طويل الأمد للحزب الديموقراطي الليبرالي. عندما انتهت الحرب الباردة ، شعرت بقوة بأن الدور التاريخي للحزب الديموقراطي الليبرالي في دعم النمو الاقتصادي السريع لليابان قد وصل الى نهايته ، وان الوقت قد حان للحصول على مقعد جديد من المسؤولية السياسية.
ولذلك ، خرجت من الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي كان قد أسسه جدي، وبعد أن شاركت في تأسيس الحزب الجديد ساكيجاكه، أصبحت لاحقاً القائد المؤسس للحزب الديمقراطي الياباني. تأسس الحزب الديموقراطي الياباني (السابق) في 11 سبتمبر 1996. و كانت العبارات التالية مدرجة في بيان التأسيس: "من اليوم فصاعدا ، نود أن نضع روح الإخاء في قلب مجتمعنا. حيث يمكن للحرية أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى بيئة غير مقيدة يفترس القوي فيها الضعيف.
كما يمكن للمساواة أن تتسبب بسهولة في شكل مؤذ تكون كل الاختلافات فيه منتقدة.الإخاء هو القوة التي يمكن أن تمنع مثل هذا التطرف من الحرية والمساواة، و لكن قوة الإخاء قد تم تهميشها على مدى السنوات ال 100 الماضية أو نحو ذلك. حيث حرصت الدول الحديثة حتى القرن العشرين إلى حشد الناس مما يعني ميلاً لتقدير قيمتهم باعتبارهم كتلة واحدة (وليس كأفراد). . . . نحن نعتقد أن كل إنسان لديه شخصية فردية متنوعة لا حدود لها، و كل حياة انسانية لا يمكن تعويضها. هذا هو السبب في أننا نؤمن بمبدأ 'الاستقلال الذاتي' الذي يكون لكل فرد من خلاله الحق في البت في مصيره، والالتزام بتحمل المسؤولية عن نتائج اختياراته. في الوقت نفسه ، علينا أن نؤكد أيضا على أهمية مبدأ 'التعايش مع الآخرين" الذي من خلاله يحترم الناس استقلال الآخرين و اختلافهم بينما يعملون أيضا على فهم بعضهم البعض والسعى لايجاد ارضية مشتركة للعمل التعاوني. نحن نعتقد أننا يجب أن تلتزم بثبات بهذه المبادئ من الاستقلال والتعايش ليس فقط في سياق العلاقات الشخصية داخل المجتمع الياباني ولكن أيضا في سياق العلاقات بين اليابان والدول الأخرى ، والعلاقة بين البشر والبيئة. "
الكاتب سانياتسو موشانوكوجي كتب العبارة المشهورة : "أنا أنا ، و أنت أنت ، و رغم ذلك أصدقاء حميمين". وأعتقد أن هذه الكلمات تعبر حقا عن روح الإخاء . و تماما كما أن المثل العليا للحرية والمساواة تتطور مع البيئة المعاصرة ، سواء من حيث التعبير عنها ومضمونها ، فإن فكرة "الإخاء" ، والتي تدعونا إلى احترام الأفراد تتطور أيضاً مع الزمن. عندما رأيت انهيار الأنظمة الشمولية التي عارضها كلا من كودينهوف كاليرجي وجدي، فقد فهمت تعريف الإخاء على أنه "مبدأ الاستقلال والتعايش".
ثلاثة عشر عاما مرت منذ أن اسسنا الحزب الديموقراطي الياباني السابق. خلال ذلك الوقت منذ ذلك الحين ، ابتليت يابان ما بعد الحرب الباردة باستمرار برياح أصولية السوق في الحركة التي تقودها الولايات المتحدة والتي عادة ما تسمى العولمة. من المفترض أن الحرية أعلى من كل القيم ، ولكن السعي الأصولي للرأسمالية ، والتي يمكن وصفها بأنها "الحرية مصاغة بتعابير اقتصادية" ، أدت إلى معاملة الناس ليس كغاية بل كوسيلة. وبالتالي فقدت كرامة الإنسان. الأزمة المالية الأخيرة وتداعياتها ، مرة أخرى ، تجبرنا على أن نحيط علما بهذه الحقيقة. كيف يمكن أن نضع حدا للرأسمالية المالية و أصولية السوق المنفلتة التي تخلو من الأخلاق أو الاعتدال ، من أجل حماية أموال و حيوات مواطنينا؟ تلك هي المشكلة التي نواجهها الآن. في هذه الأوقات ، أدركت أنه يجب علينا أن نتذكر مرة أخرى دور الإخاء كما حددها كودينهوف كاليرجي كقوة من أجل التخفيف من الخطر الكامن في إطار الحرية. لقد وصلت إلى قرار أنه يجب علينا مرة أخرى أن نرفع راية الإخاء . في 16 مايو ، 2009 ، و في اطار الاستعداد لانتخابات زعامة الحزب الديموقراطي الياباني ، أدليت بالتصريح الآتي : "سوف آخذ زمام المبادرة في الاجتماع مع أصدقائنا وزملائنا للتغلب على هذا الوضع الصعب ، وضمان أن نتوصل إلى تغيير الحكومة من أجل تحقيق مجتمع قائم متآخ قائم على التعايش". ماذا يعني لي الإخاء ؟ هو البوصلة التي تحدد اتجاهنا السياسي ، مقياس تحديد سياساتنا. وأعتقد أنه هو أيضا الروح التي تؤيد محاولاتنا لتحقيق "عصر الاستقلال والتعايش".
استعادة دور القطاع العام الذي أصيب بالوهن
في عصرنا الحالي ، يمكن وصف الإخاء بأنه المبدأ الهادف إلى ضبط تجاوزات الطراز الحالي المعولم من الرأسمالية ، وإجراء التعديلات لاستيعاب الممارسات الاقتصادية المحلية التي تم تعزيزها من خلال تقاليدنا. وبعبارة أخرى ، هو وسيلة لبناء مجتمع اقتصادي قائم على التعايش عن طريق التحول بعيدا عن سياسات أصولية السوق وتجاه السياسات التي تحمي وسائل العيش ، وسلامة الشعب.
ومن نافل القول أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة في جميع أنحاء العالم قد أدت إلى انهيار أصولية السوق والرأسمالية المالية التي دعت إليها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. هذه هي أصولية السوق و الرأسمالية المالية التي تقودها الولايات المتحدة و التي لها اسماء متعددة مثل "الاقتصاد العالمي" و "العولمة". وهذه الطريقة في التفكير مبنية على أساس المبدأ القائل بأن الطراز الأميركي من اقتصاد السوق الحر يمثل النظام الاقتصادي العالمي والمثالي ، وأنه ينبغي لجميع البلدان تعديل التقاليد والأنظمة التي تحكم اقتصاد بلادهم من أجل إصلاح هيكل مجتمعاتهم الاقتصادية تمشيا مع المعايير العالمية (أو بالأحرى المعايير الأمريكية). في اليابان ، انقسم الرأي حول المدى الذي يجب اتخاذه في الاتجاه نحو العولمة. بعض الناس ينادي باعتناق نشط للعولمة ويؤيد ترك كل شيء لمقتضيات السوق. آخرون يفضلون نهجا أكثر تحفظا ، معتبرين أن الجهد ينبغي أن يكون بدلا من ذلك على توسيع شبكة الأمان الاجتماعي وحماية مصالح الأنشطة الاقتصادية التقليدية. منذ إدارة رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي ، و الحزب الليبرالي الديمقراطي يؤكد على الرأي الأول في حين أننا في الحزب الديموقراطي الياباني نميل للموقف الثاني.
النظام الاقتصادي أو الأنشطة الاقتصادية المحلية في أي بلد تراكمت عبر سنوات طويلة وتعكس في كل بلد تأثير التقاليد والعادات وأنماط الحياة الوطنية. ولذلك ، فإن الأنشطة الاقتصادية في كل بلد متنوعة جدا بسبب العديد من العوامل ، بما في ذلك اختلاف التاريخ والتقاليد والعادات ،و النطاق الاقتصادي والمرحلة من مراحل التنمية. ومع ذلك ، تقدمت العولمة دون أي اعتبار للقيم المختلفة غير الإقتصادية ، ولا للقضايا البيئية أو مشاكل القيود على الموارد. فأصيبت الأنشطة الاقتصادية للمواطنين في البلدان الصغيرة بأضرار بالغة ، بل أن العولمة في بعض البلدان دمرت الصناعات التقليدية. يمكن الآن لرأس المال ووسائل الإنتاج أن تنتقل بسهولة عبر الحدود الدولية. ومع ذلك ، لا يستطيع الناس التحرك بسهولة. من ناحية نظرية السوق ، فالناس هم ببساطة نفقات عمال، ولكن في العالم الحقيقي فإن الناس هم من يدعم نسيج المجتمع المحلي و هم التجسيد المادي لنمط الحياة والتقاليد والثقافة. الفرد يكسب احترامه كشخص من خلال الحصول على وظيفة ودور داخل المجتمع المحلي والقدرة على الحفاظ على مستوى معيشة الأسرة.
إذا ألقينا نظرة على التغيرات التي طرأت على المجتمع الياباني منذ نهاية الحرب الباردة ، فأعتقد أنه ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن الاقتصاد العالمي قد آذى الأنشطة الاقتصادية التقليدية و أن أصولية السوق قد دمرت المجتمعات المحلية. على سبيل المثال ، فإن قرار خصخصة هيئة البريد اليابانية أهمل إلى حد كبير التاريخ الطويل للمؤسسة، و الدور التقليدي الذي لعبه موظفوها في المجتمع المحلي. كما أنه تجاهل الفوائد غير الإقتصادية من مكتب البريد وقيمته في المجتمع. حيث استخدم منطق السوق لتبرير اتخاذ مثل هذه الخطوة المأساوية.
وفقا لمبدأ الإخاء فنحن لن ننفذ سياسات تترك الأنشطة الاقتصادية في المجالات المتعلقة بحياة الإنسان وسلامته ، مثل الزراعة ، والبيئة ، والطب ، تحت رحمة أمواج العولمة. بدلا من ذلك ، نحن بحاجة إلى تعزيز القواعد الناظمة لسلامة الأرواح البشرية والاستقرار في معيشة الناس. مسؤوليتنا نحن السياسيين هي إعادة تركيز اهتمامنا على تلك القيم غير الإقتصادية التي ألقيت جانبا من مسيرة العولمة. يجب علينا أن نعمل على السياسات التي تعمل على تجديد الروابط التي تجمع بين الناس ، التي تراعي بقدر أكبر الطبيعة والبيئة ، أن نعيد بناء أنظمة الرعاية الاجتماعية والطبية ، والتي توفر أفضل تعليم وتربية للأطفال وتقدم الدعم لمعالجة أوجه التفاوت في الثروة. هذا هو المطلوب من أجل خلق بيئة يمكن فيها لكل مواطن على حدة أن يسعى لتحقيق السعادة.
على مدى السنوات الأخيرة ، ، تآكلت الخدمات العامة التقليدية في اليابان. الروابط التي تجمع بين الناس أصبحت أضعف و بهتت روح الخدمة العامة. في المجتمع اليوم يمكن تقسيم الأنشطة الاقتصادية إلى أربعة قطاعات : الحكومية ، والشركات ، وغير الربحية والمنزلية. في حين أن الفئات الأولى والثانية والرابعة تشرح نفسها بنفسها ، بالفئة الثالثة أعني أنواع المساعدة المتبادلة التي كانت تقدمها جمعيات الأحياء والتي أصبحت الآن تقدم من خلال المنظمات غير الربحية. فمع تطور المجتمع اقتصادياً و ازدياد تعقيده، فإن نطاق الخدمات التي لا يمكن توفيرها من قبل السلطات والشركات وأفراد العائلة ينمو على نحو متوسع باستمرار. وهذا هو السبب في أنه كلما ازداد تقدم البلد فإن الدور الاجتماعي الذي تلعبه المنظمات غير الربحية يزداد. هذا أساس "التعايش". هذه الأنشطة ليست مسجلة في الناتج المحلي الإجمالي ، ولكن عند العمل لبناء مجتمع لديه حقا مستويات معيشة مرتفعة ، فإن نطاق وعمق الخدمات العامة من هذا القبيل ، المقدمة من خلال أنشطة غير ربحية ، ومجموعات المواطنين وغيرها من الأنشطة الاجتماعية ، هي ذات أهمية كبيرة. السياسة على أساس "الإخاء" من شأنها أن تستعيد قوة قطاع الخدمات العامة غير الربحية المنهك في اليابان. انها ستوسع القطاع غير الربحي في مجالات جديدة وتقدم المساعدة للناس الذين يدعمون هذه الأنشطة. وبهذه الطريقة ، نحن نهدف الى بناء مجتمع التعايش الذي يمكن للناس فيه أن يعيدوا اكتشاف العلاقات التي تجلبهم معا ، ويساعد كل منهم الآخر ، ويجدوا معنى في الانجاز من خلال قيامهم بدور مجتمعي مفيد.
من الصحيح بالطبع ان اليابان تواجه حاليا ازمة مالية. ومع ذلك ، فإن "سياسة الإخاء" تهدف بحذر و لكن بشكل مطرد الى مسار سوف يحقق إعادة هيكلة مالية الحكومة وإعادة بناء نظام الرعاية معاً ،ولذلك فإنني أعتقد أنه سيكون من المستحيل التغلب على الأزمة المالية في اليابان من دون نقل السلطة إلى السلطات المحلية ، وتنفيذ إصلاح إداري شامل واستعادة ثقة الجمهور في استدامة نظم الضمان الاجتماعي ، وخصوصا المعاشات التقاعدية. وبعبارة أخرى ، حل مشاكلنا المالية أمر مستحيل من دون اعادة بناء شاملة للنظم السياسية اليابانية.
انشاء الدولة الوطنية المعززة للسلطات المحلية
عندما ألقيت الخطاب الذي أعلنت فيه ترشيحي لمنصب رئيس الحزب الديموقراطي الياباني ، ذكرت أن "أول أولوياتي السياسية" هو "الإصلاح بالابتعاد عن الدولة الوطنية القائمة على السلطة المركزية وإنشاء دولة على أساس نقل السلطة إلى السلطات المحلية". و قد أدرجنا وجهة نظر مماثلة في البيان التأسيسي عندما شكلنا الحزب الديموقراطي الياباني السابق قبل 13 عاما. آنذاك ، كان هدفنا هو الوصول إلى دولة قائمة على أساس تفويض الصلاحيات للسلطات الاقليمية و المحلية. كنا نهدف الى تحقيق ذلك من خلال الحد من دور السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية المركزيتين وتعزيز الإدارات المحلية الكفؤة التي تتمتع بسلطة كبيرة. وعلاوة على ذلك ، و بناء على هذا النظام الجديد للحكومة ، نحن نهدف إلى إقامة نظم رعاية واسعة النطاق تقوم على مشاركة المواطنين والمساعدة المتبادلة في المجتمع المحلي ، و في نفس الوقت إلى إنشاء نظم مالية و طبية ونظم معاشات تقاعدية لا تفرض ديوناً على الأجيال المقبلة.
الكونت كودينهوف كاليرجي في "ثورة الإخاء" (الفصل 12 من "الدولة الشمولية ضد الانسان") كتب ما يلي: "الشرط السياسي للإخاء هو الفيدرالية ، البناء الطبيعي والعضوي للدولة انطلاقا من أفرادها. الوصول من الانسان إلى الكون ممكن من خلال دوائر متحدة المركز : يبني الأفراد أسراً، و تبني الأسر بلديات، و تبني البلديات كانتونات، و تبني الكانتونات دولاً، و تبني الدول قارات، و تبني القارات كواكب، و تبني الكواكب النظم الشمسية ، و تبني النظم الشمسية الكون." بلغة اليوم ، ما وصفه كودينهوف كاليرجي هنا هو مبدأ "التفويض للأدنى " subsidiarity ، وهو نهج سياسي حديث له جذوره في الإخاء.
الحقيقة هي أنه في عصرنا هذا لا يمكننا تجنب العولمة الاقتصادية. ومع ذلك ، في الاتحاد الأوروبي ، حيث التكامل الاقتصادي القوي ، هناك أيضا اتجاه ملحوظ نحو المحلية. الأمثلة على ذلك تشمل الفيدرالية في بلجيكا وانفصال واستقلال جمهورية التشيك وسلوفاكيا. ضمن بيئة اقتصادية معولمة، كيف يمكننا الحفاظ على الاستقلال الذاتي للبلدان و الأقاليم، والتي تكون أساس التقاليد والثقافة؟ هذه قضية ذات أهمية ، ليس فقط بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولكن أيضا بالنسبة لليابان أيضا.
ردا على المطالب المتضاربة للعولمة والأقلمة ، دعا الاتحاد الأوروبي إلى مبدأ التفويض للأدنى في معاهدة ماستريخت ، والميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي. مبدأ التفويض للأدنى ليس فقط القاعدة التي تقول أن السلطات المحلية يجب ان تكون دائما لها الأولوية ، بل هي المبدأ الذي يمكن أيضا أن تكون أساس تحديد العلاقة بين الدول الوطنية والمؤسسات الدولية. يمكننا تفسير مبدأ التفويض للأدنى من هذا المنظور على النحو التالي : المسائل التي يمكن التعامل معها من قبل الفرد يجب أن تحل من قبل الفرد. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الفرد يمكن حلها بمساعدة الأسرة. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الأسرة يمكن حلها بمساعدة من المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية. و فقط عندما لا يمكن حل المسألة على هذا المستوى فعلى السلطات أن تتدخل. و بطبيعة الحال ، ينبغي أن تحل المسائل التي يمكن التعامل معها من قبل الحكومة المحلية من قبل الحكومة المحلية. والمسائل التي لا يمكن حلها من قبل الحكومة المحلية يمكن حلها على المستوى الحكومي الوسيط التالي، و المسائل التي لا يستطيع هذا المستوى الحكومي التعامل معها ، مثلا في مجال الدبلوماسية والدفاع والقرارات بشأن سياسة الاقتصاد الكلي ، ينبغي التعامل معها من قبل الحكومة المركزية. وأخيرا ، ينبغي أن تنقل حتى بعض عناصر السيادة الوطنية ، مثل إصدار العملة ، إلى المؤسسات الدولية ، مثل الاتحاد الأوروبي.
مبدأ التفويض للأدنى بالتالي وضع سياسة لتفويض السلطات تشدد على المستوى الأدنى للحكومة المحلية. و عند بحثنا عن طرق لتحديث مفهوم الإخاء، فإننا نصل بشكل طبيعي إلى فكرة وجود دولة قائمة على أساس تفويض السلطات للأقاليم مرتكزة على مبدأ التفويض للأدنى. عند الحديث عن إصلاح نظام السلطة المحلية في اليابان ، بما في ذلك إمكانية استحداث نظام لحوالي 10 من التكتلات الإقليمية لتحل محل محافظات اليابان 47، يجب ألا ننسى أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية : ما هو الحجم المناسب للسلطات المحلية (التي تجسد التقاليد والثقافة)؟ ما هو الحجم المناسب للسلطات المحلية من حيث فعاليتها الوظيفية للسكان المحليين؟ خلال خطاب أدليت به في وقت الانتخابات الرئاسية للحزب الديمقراطي ، قلت التعليقات التالية : "أقترح الحد من دور الحكومة المركزية الى الدبلوماسية والدفاع والسياسة النقدية والسياسة المالية ، والموارد والطاقة والسياسة البيئية. بينما أقترح نقل ما يلي إلى أدنى مستوى من مستويات الحكم المحلي: السلطة ، و الحق في فرض الضرائب ، والأفراد اللازمين لتوفير خدمات تتصل اتصالا وثيقا بمعيشة الناس. أقترح إنشاء أطر من شأنها أن تسمح للسلطات المحلية بتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات ، وتملك الوسائل لتنفيذها. أقترح إلغاء النظام الحالي للتحويلات المالية من الحكومة المركزية (والتي لا يمكن استخدامها إلا لغرض خاص محدد)، وبدلا من ذلك تقديم دفعة واحدة الى السلطات المحلية التي يمكن أن تستخدمها وفقا لتقديرها. وبعبارة أخرى ، سوف تنهار علاقة سيد-تابع الراهنة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية و تحل محلها علاقة متساوية على أساس تقاسم المسؤوليات. هذا الإصلاح سيؤدي إلى تحسين الكفاءة العامة للبلد بأسره ، وتسهيل الخدمات الإدارية المعدلة بحيث تراعي إلى أقصى حد الاحتياجات المحلية ، و وجهات نظر المواطنين المحليين. " السبيل الوحيد لتحقيق الاقاليم للاستقلالية و الحكم الذاتي و الاختصاص لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم ، هي نقل مجموعة واسعة من الموارد وسلطات كبيرة إلى السلطات المحلية التي هي اقرب في الاتصال مع المواطنين ، وهو نهج يوضح أيضاً العلاقة بين الأعباء على المواطنين والخدمات التي يتلقونها. هذا النهج من شأنه تسهيل تفعيل الأنشطة الاقتصادية المحلية. وهو أيضا الطريق نحو بناء يابان أكثر تميزا، جاذبية و جمالاً. و إنشاء الدولة القائمة على تمكين السلطات المحلية يمثل تجسيدا لسياسة حديثة من الإخاء ومناسب جدا كهدف سياسي في عصرنا.
التغلب على النزعات القومية من خلال مجموعة دول شرق اسيا
هدف وطني آخر ينبثق من مفهوم الإخاء هو إنشاء مجموعة دول شرق اسيا. بطبيعة الحال ، فإن معاهدة الأمن بين اليابان والولايات المتحدة لا تزال تشكل حجر الزاوية في السياسة الدبلوماسية اليابانية. و مما لا شك فيه ، أن العلاقة بين اليابان والولايات المتحدة تشكل دعامة مهمة لدبلوماسيتنا. ومع ذلك ، في الوقت نفسه ، يجب ألا ننسى هويتنا كدولة تقع في آسيا. وأعتقد أن منطقة شرق آسيا ، والتي تظهر بشكل متزايد الحيوية في نموها الاقتصادي و الازدياد في العلاقات المتبادلة بين بلدانها ، يجب أن تعتبر المجال الأساسي لوجود اليابان. لذا ، يجب علينا مواصلة بذل الجهود الرامية إلى بناء أطر للتعاون الاقتصادي المستقر والأمن الوطني في جميع أنحاء المنطقة.
جعلت الأزمة المالية الأخيرة الكثير من الناس يقولون أن عصر الأحادية الأمريكية قد وصل الى نهايته. كما جعلت الشكوك تحوم بين الناس حول دوام الدولار كعملة عالمية رئيسية. و أنا أيضاً أشعر أنه نتيجة لفشل الحرب في العراق والأزمة المالية ، فإن عصر العولمة التي تقودها الولايات المتحدة هي على وشك الانتهاء ، وأننا نتحرك بعيدا عن عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة نحو عصر متعدد الأقطاب. ومع ذلك ، في الوقت الحاضر ، لا توجد دولة واحدة مستعدة لتحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر سيطرة في العالم. و لا توجد عملة مستعدة لتحل محل الدولار باعتباره العملة العالمية الرئيسية. ولذلك ، حتى لو كنا بصدد التحول من أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب ، فإن أفكارنا عن ما يمكن توقعه هو في أفضل الأحوال غامضا ، ونحن نشعر بالقلق لأن هذه الأشكال الجديدة التي ستتخذها السياسة العالمية والاقتصاد لا تزال غير واضحة. وأعتقد أن هذا يصف جوهر الأزمة التي نواجهها الآن.
على الرغم من أن نفوذ الولايات المتحدة آخذ في الانخفاض ، فان الولايات المتحدة سوف تبقى الرائدة في العالم كقوة عسكرية واقتصادية على مدى العقدين أو الثلاثة المقبلة. التطورات الحالية تظهر بوضوح أن الصين التي تتمتع الآن بأكبر عدد من السكان في العالم ، سوف تصبح واحدة من الدول القائدة لاقتصاد العالم ، وفي الوقت نفسه تستمر في توسيع قوتها العسكرية. حجم اقتصاد الصين سوف يتفوق على اليابان في وقت ليس ببعيد. كيف يتعين على اليابان أن تحافظ على استقلالها السياسي والاقتصادي و أن تحمي مصالحها الوطنية عندما تكون محصورة بين الولايات المتحدة ، التي تقاتل من اجل الاحتفاظ بمكانتها في العالم كقوة مهيمنة ، والصين ، التي تسعى إلى إيجاد سبل لتصبح واحدة من هذه القوى؟ البيئة الدولية المحيطة باليابان في المستقبل لا تبدو سهلة. هذا هو السؤال المقلق ليس فقط بالنسبة لليابان وإنما أيضا للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم في آسيا. انهم يريدون من القوة العسكرية للولايات المتحدة العمل بشكل فعال لتحقيق الاستقرار في المنطقة لكنهم يريدون أيضاً كبح جماح تجاوزاتها السياسية والاقتصادية. وهم أيضا يريدون الحد من التهديد العسكري الذي تشكله جارتنا الصين مع ضمان أن التطور الاقتصادي للصين سيستمر بطريقة منظمة. وأعتقد أن هذه هي مطالب جوهرية من مختلف الدول في المنطقة. و هذا أيضا عامل رئيسي في تسريع التكامل الاقليمي.
اليوم ، و مع ركود الفلسفات السياسية والاقتصادية فوق القومية من ماركسية وعولمة ،سواء أكان هذا جيداً أم سيئاً، فقد عاد التأثير الكبير للقومية على قرارات السياسات في البلدان المختلفة. و كما تجلى في اعمال الشغب المناهضة لليابان التي حدثت في الصين منذ سنوات قليلة ، فإن انتشار شبكة الإنترنت قد سرع من الاندماج بين القومية و الشعبوية ، وأصبح ظهور اضطرابات سياسية لا يمكن السيطرة عليها هو خطر حقيقي جدا. و كما نبقى واعين بوجود هذه البيئة ، و نسعى إلى بناء هياكل جديدة للتعاون الدولي ، يجب علينا التغلب على النزعة القومية المفرطة في كل أمة ، والسير في الطريق نحو بناء قاعدة للتعاون الاقتصادي والأمن القومي. فعلى عكس أوروبا ، بلدان هذه المنطقة تختلف من حيث حجم السكان ومرحلة التنمية والنظم السياسية ، وبالتالي لا يمكن أن يتحقق التكامل الاقتصادي على المدى القصير. ومع ذلك ، أعتقد أنه ينبغي لنا أن نطمح إلى التحرك نحو التكامل الإقليمي للعملات باعتباره امتدادا طبيعيا لمسيرة النمو الاقتصادي السريع الذي بدأته اليابان ، و تلتها كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج ، ومن ثم حققته دول الاسيان والصين . لذا يجب علينا أن لا ندخر جهدا من أجل بناء أطر الأمن الدائمة و التي هي أساسية لتعزيز التكامل النقدي.
الاسيان واليابان والصين (بما في ذلك هونغ كونغ) وكوريا الجنوبية وتايوان تشكل الآن ربع الناتج المحلي الإجمالي في العالم. لقد ازدادت القوة الاقتصادية لمنطقة شرق آسيا والعلاقات المتبادلة المستقلة داخل المنطقة اتساعا وعمقا ، وهو أمر غير مسبوق. على هذا النحو ، فإن الهياكل الأساسية اللازمة لتشكيل كتلة اقتصادية اقليمية موجودة بالفعل. و من ناحية أخرى، و بسبب النزاعات التاريخية والثقافية القائمة بين بلدان هذه المنطقة ، بالإضافة إلى تضارب مصالح الأمن الوطني، فيجب أن نعترف بأن هناك قضايا سياسية صعبة عديدة. مشاكل زيادة العسكرة والنزاعات الاقليمية التي تقف في طريق التكامل الإقليمي ، لا يمكن حلها عن طريق المفاوضات الثنائية بين ، على سبيل المثال ، اليابان وكوريا الجنوبية أو اليابان والصين. فكلما نوقشت هذه المشاكل على المستوى الثنائي ، كلما ازداد خطر أن مشاعر المواطنين في كل بلد سوف تلتهب و سوف تتعاظم القومية. ولذلك ، و بنوع من المفارقة ، أود أن أقترح أن القضايا التي تقف في طريق التكامل الإقليمي لا يمكن أن يكون حلها إلا من خلال عملية الانتقال نحو قدر أكبر من التكامل الإقليمي. على سبيل المثال ، فإن تجربة الاتحاد الأوروبي بينت لنا كيف يمكن للتكامل الإقليمي أن ينزع فتيل النزاعات الإقليمية.
عند كتابة مسودة اقتراح لدستور ياباني جديد عام 2005 ، كتبت في التمهيد الكلمات التالية حول موضوع أهداف اليابان الوطنية لنصف القرن المقبل : نحن ، و لاعترافنا بأهمية كرامة الإنسان ، نسعى إلى التمتع ، جنبا إلى جنب مع شعوب العالم ، بفوائد السلام والحرية والديمقراطية ، ونلزم أنفسنا على العمل باستمرار ودون توقف من أجل تحقيق هدف إقامة نظام دائم وشامل للتعاون الاقتصادي والاجتماعي ونظام للأمن القومي الجماعي في المجتمع الدولي ، ولا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأعتقد أن هذا ليس فقط المسار الذي ينبغي أن نتبعه نحو تحقيق مبادئ المسالمة والتعاون المتعدد الأطراف التي ينادي بها الدستور الياباني ، بل و أيضاً الطريق المناسب لحماية الاستقلال السياسي والاقتصادي لليابان وتحقيق مصالحنا الوطنية من خلال موقفنا بين اثنين من القوى العظمى في العالم ، الولايات المتحدة والصين. وعلاوة على ذلك ، فإن هذا المسار يمثل التجسيد المعاصر لـ"ثورة الإخاء" الذي نادى بها الكونت كودينهوف كاليرجي.
على أساس هذا الوعي باتجاهنا المقصود ، يصبح من الواضح على سبيل المثال أن ردنا على الأزمة المالية العالمية الأخيرة لا يجب أن يكون مجرد إجراءات دعم محدود استخدمها سابقا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. بدلا من ذلك ، يجب علينا أن نعمل من أجل فكرة احتمال انشاء عملة آسيوية مشتركة في المستقبل . إنشاء عملة موحدة في آسيا من المرجح أن يستغرق أكثر من 10 سنوات. و حتى تجلب مثل هذه العملة التكامل السياسي فهذا بالتأكيد سوف يستغرق وقتا أطول من ذلك. و نظرا لخطورة الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة ، فقد يتساءل بعض الناس لماذا أستغرق وقتاً في مناقشة هذا الموضوع الذي يبدو دخيلاً. ومع ذلك ، فأنا أعتقد أنه كلما زادت الفوضوية و عدم الوضوح و عدم التأكد في المشاكل التي نواجهها ،كلما كانت الأهداف التي ينبغي للسياسيين أن يقودوا الشعب اليها أعلى وأكبر .
نحن نقف اليوم عند نقطة تحول في التاريخ العالمي ، وبالتالي هي نقطة اختبار للعزيمة والرؤية لدينا ، ليس فقط من حيث قدرتنا على صياغة سياسات لحفز الاقتصاد المحلي ، ولكن أيضا من حيث الطريقة التي نحاول من خلالها أن نبني نظاماً سياسياً و اقتصادياً عالمياً جديدا. وأود أن أختتم باقتباس عبارة من كودينهوف كاليرجي، والد الاتحاد الأوروبي ، كتبت قبل 85 عاما ، عندما نشر "لعموم أوروبا."
"كل الأفكار العظيمة التاريخية بدأت حلما طوباويا ، وانتهت حقيقة واقعة”
هناك تعليق واحد:
In Hatoyama’s ‘fraternity,’ people the end, not means
LDP served purpose, festered; 'globalism' gutted communities
BY YUKIO HATOYAMA
SEP 9, 2009
An opinion piece by Democratic Party of Japan President Yukio Hatoyama that was originally published in the September edition of the Japanese monthly journal Voice has triggered controversy in the United States for appearing to have an antiglobalization bent.
In the piece, part of which was published on The New York Times’ Web site and by other newspapers, Hatoyama in part said he feels “that as a result of the failure of the Iraq war and the financial crisis, the era of the U.S.-led globalism is coming to an end and that we are moving away from a unipolar world led by the U.S. toward an era of multipolarity.’‘
Following is the full text of an official English-language copy of the opinion piece titled “My Political Philosophy,” made available to Kyodo News recently:
http://www.japantimes.co.jp/opinion/2009/09/09/commentary/world-commentary/in-hatoyamas-fraternity-people-the-end-not-means/#.V2z1U7grKUl
إرسال تعليق