6.1.14

اثار الحرب و الجوع على الشام

"ثبت في ايات القران الحكيم أن الشدائد تمحص المؤمنين و تمحق الكافرين، و قد ثبت أن شدائد هذه الحرب ما زادت أكثر الناس في كل البلاد الا فسادا و فسقا و فجورا. 
و كان الاغنياء و الفقراء في ذلك سواء الا من عصم الله


(...)
هلعت أفئدة البشر من كل الامم في أول العهد بالحرب، و استيقظ الشعور الديني في قلوب طال نومه فيها، كأنه ميت لا أثر له في شيء من أعمال الحياة
(...)
مصائب الحرب أزالت ما كان بين الملل و الطوائف من نفور و ضغن، و أشعرت قلوبهم عواطف التراحم و التعاون. فكان صاحب الرغيف يقسمه بينه و بين الفاقد لمثله من صاحب أو جار قريب أو بعيد، و لا يضن بمقاسمة الجائع المجهول بله ذا القربى و الرحم.
فلما طال الأمد و رأى الناس ما رأوا من سوء تصرف القواد الجبارين و الحكام الظالمين و الاغنياء المترفين، دبت اليهم عدوى القدوة السيئة فقست القلوب و تحجرت العواطف، و اشتد الجشع، و قوي الطمع، و ضريت الشهوة، و عظمت الفتنة.
(...)
ان هذه الحرب لم تفسد اخلاق الضعفاء من البشر وحدهم، بل افسدت أخلاق جميع من صلي نارها من الامم و الشعوب و ألقت من العداوة و البفضاء و الحقد و الحسد بينها أضعاف ما كان قبلها. و ما سبب ذلك إلا ظهور رذائل التعاليم المادية فيها، و أكبر هذه الرذائل و أشدها ضرراً استعباد الاقوياء للضعفاء و طمعهم فيهم. و هذه رذيلة يكرهها كل أحد من غيره، بقدر ما يحبها كل قوي لنفسه. فالشكوى منها و من اثارها و مصائبها التي تولدت منها عامة. و لكن أساطين السياسة المادية يحاولون ازالة أعراض المرض مع الاصرار و الثبات على العلل و الاسباب الموجبة لبقاء المرض نفسه، فلا يترك أحدهم شيئا من طمعه في بلاء المستضعفة و محاولة الاستعلاء على العالمين."

--جريدة المنار - رشيد رضا- (١٩٢٠)










ليست هناك تعليقات: