6.6.14

خطاب الرئيس جمال عبد الناصر فى 23 نوفمبر 1967

أيها الإخوة المواطنون أعضاء مجلس الأمة:
لقد آثرت أن أجىء اليوم إلى مجلسكم الموقر بغير نص مكتوب كامل لحديثى معكم، وذلك عن اعتقاد بأن نوع الحديث الذى نحتاج إليه اليوم، هو حديث القلب للقلب، وهو حديث لابد له أن يكون مفتوحاً وطليقاً، لا تحده قيود النصوص الرسمية، ولا تحبسه الألفاظ المقررة سلفاً، والعبارات المكتوبة من قبل مناسبتها.


وقبل أن أبدأ هذا الحديث فإنى أود - أيها الإخوة - أن أسجل تقديرى واعتزازى بعودة مجلسكم الموقر إلى المشاركة الفعلية فى المسئولية؛ وذلك بعد أكثر من خمسة شهور حافلة وخطيرة منذ اليوم الذى أولانى فيه شعبنا العظيم ومجلسكم الموقر شرف الثقة الكبرى؛ التى عدلت بها عن قرار كنت قد اتخذته بالتنحى، فى أعقاب صدمة النكسة التى واجهها نضالنا فى الخامس من يونيو الماضى والأيام الخمسة التى تلته. فى ذلك الوقت كنت - لأسباب شرحتها من قبل فى خطابى إلى الأمة - قد طلبت التنحى عن رياسة الجمهورية وعن العمل السياسى كله، ولكن جماهير الشعب - وأنتم فى الطليعة منها - رفضت ما طلبته، وصممت على أن أظل فى موقعى من العمل الوطنى. ولم يكن أمامى غير أن أطيع نداء شعبنا وأنتم فى الطليعة منه، وكان أن أضفتم أنتم أيضاً إلى ثقة الشعب الغالية تفويضاً إلى بمواجهة كل ما لابد من مواجهته من تطورات الأزمة ومقتضيات ظروفها. وإذ يعود مجلسكم الموقر الآن إلى مباشرة أعمال دورته الخامسة بعد صيف طويل وعصيب؛ فإنى أشعر بواجب أن أعرض عليكم صورة أمينة للتطورات منذ كانت هبة الشعب العظيمة يوم ٩ و١٠ يونيو والتى اعتبرتها تجديداً للثورة، ولقد كانت كذلك فعلاً، ومنذ كان تفويضكم الكريم لى بمواجهة احتمالات الموقف وتطوراته.


ومن الحق والواجب أن أعترف الآن للنضال الشعبى المصرى بصلابة ليس لها نظير؛ سجلها بالقوة والشرف والكرامة فى مواجهة ظرف من أخطر ما واجهناه، حتى لنستطيع أن نقول إنه خلال هذه الشهور الخمسة حدث تحول بعيد المدى، عميق الأثر، سوف يفرض نفسه أكثر وأكثر على المستقبل، والفضل فى إمكان حدوث هذا التحول يعود أولاً وأخيراً للشعب وحده. وبرغم ما يساورنا جميعاً من قلق، وبرغم ما يملأ رءوسنا من التساؤلات عن الغد، وبرغم مخاطر كبيرة مازالت فى انتظارنا ولابد أن نقبل تحديها؛ برغم ذلك كله فإنه لابد لنا من القول بأننا اجتزنا طريقاً أراده أعداؤنا أن يكون مسدوداً، وعبرنا مرحلة قاسية بالغة القسوة، وخرجنا إلى مجال أوسع نستطيع فيه أن نستعيد قدرتنا على الحركة، وأن نملك إمكانيات المقاومة المادية. وبغير إيمان مطلق من الشعب فى مبادئ نضاله الأساسية، وبغير إيمان مطلق منه فى مقدرته على التحمل والصمود، وبغير إيمان مطلق منه فى غده ومستقبله بعون الله؛ فإن اجتياز الطريق الذى بدا مسدوداً، وعبور المرحلة القاسية البالغة القسوة، والخروج من ذلك إلى المجال الأوسع؛ كانت كلها تظل فى حيز المستحيلات. ومن الأمور التى ينبغى أن ندركها، وأن نعى دلالتها وعياً عميقاً؛ أنه ليس من الميسور لأى شعب من الشعوب مهما كانت أصالته النضالية وعراقته أن يواجه مثل ما واجهناه، ثم يبقى بعد ذلك متماسكاً ومؤمناً. وأكثر من ذلك يجد نفسه بعد شهور قليلة من نكسة بعيدة المدى قادراً وقوياً، وهو يزداد قوة وقدرة مع كل يوم، ويقترب بذلك مع كل يوم خطوة من إمكانية تصحيح آثار النكسة وتجاوز كل سلبياتها.
ولو نظرنا إلى التاريخ القديم والحديث لطالعتنا صفحاته بنماذج عديدة لما يمكن أن تتردى إليه أحوال الأمم عندما تصيبها الهزيمة العسكرية، وذلك قدر لم نتفرد به وحدنا، وإنما هو قدر جاز قبلنا على أمم أكبر منا وأقوى منا، لكن ما حدث للكثير منها لم يحدث - والحمد لله - لنا.
والسبب الأول والأخير - كما قلت - إيمان شعبنا وصلابته، وسلامة خطه النضالى، وثقته فى مبادئه وفى الله، ولقد كان موقف جماهير شعبنا يوم ٩ و١٠ يونيو هو التعبير الحى عن هذا الإيمان بالنفس، وبسلامة الخط النضالى، وبالمبادئ، وبالله.
إن هذا الموقف كان هو بذاته نقطة التحول فى الأزمة.. إن هذا الموقف كان هو الحد الفاصل بين الظلام الذى أطبق علينا وبين الضياء الذى أمسكنا بخيوطه، ورحنا ننسج منها نهاراً جديداً أكثر إشراقاً وأكثر مدعاة إلى الأمل. إن شعبنا بهذا الموقف أثبت أن رقعة من أرضه قد تسقط تحت احتلال العدو، ولكن أى رقعة من إرادته ليست قابلة للسقوط تحت أى احتلال، وإرادة الشعب - وليست أى رقعة من الأرض - هى القول الفصل، وهى الفارق بين القبول بالهزيمة والاستسلام لها وبين التصميم على المقاومة والإصرار عليها؛ حتى يمكن استعادة رقعة الأرض المحتلة، واستعادة النصر الضائع.
وإن تقع رقعة من أرض الوطن أسيرة فى يد عدو زود بإمكانيات تفوق طاقته فهذه ليست الهزيمة الحقيقية، ولا هى النصر الحقيقى للعدو، وإن تقع إرادة الشعب أسيرة فى يد هذا العدو فهذه هى الهزيمة الحقيقية وهذا هو النصر الحقيقى للعدو، وإن يفاجئنا العدو بقوة لم نحسن تقديرها ولم نحسن مواجهتها فليست هذه هى الهزيمة. كانت بريطانيا فى سنة ١٩٣٩ هى اللى أعلنت الحرب على ألمانيا الهتلرية، ومع ذلك بعد أن أعلنت بريطانيا الحرب ولم تكن ألمانيا الهتلرية هى التى أعلنت الحرب.. مع ذلك فإن بريطانيا والحلفاء معها فوجئوا بقوة ألمانيا النازية؛ التى لم تلبث أن احتلت القارة الأوروبية كلها بعد شهور قليلة من إعلان الحرب، واضطرت كل حلفاء بريطانيا فى أوروبا إلى الركوع وإلى الاستسلام.
كلنا نعرف ماذا حدث فى بريطانيا بعد دانكرك؛ لم تقبل بريطانيا الاستسلام رغم أن ألمانيا النازية بقوتها العسكرية استطاعت أن تسيطر على كل أوروبا، وكلنا نعلم ماذا قال "تشرشل" فى هذه الأيام.. بعد أن انسحبت القوات البريطانية من دانكرك بغير سلاح.. أذكر الخطبة اللى قالها "تشرشل" وقال فيها: ان احنا فى هذه الأوقات نمثل القوقعة اللى فقدت صدفتها، وأصبحت حساسة، ولابد لنا أن ننزوى، لابد لنا أن ننكمش، ولابد لنا أن نصبر حتى نربى الصدفة كما تعمل القواقع التى تفقد صدفتها وتفقد درعها. وقعدت بريطانيا - سنة ٣٩ - لتربى الدرع وتربى الصدفة كما قال "تشرشل" فى هذا الوقت، ولم تستسلم.. كلنا نذكر معركة بريطانيا الجوية بعد هذا فى سنة ٤٢، وكيف تعرضت لندن وتعرضت مدن أخرى فى بريطانيا للغارات الجوية وللتدمير، ولكن لم تستسلم بريطانيا.
إذن مش احنا أول دولة فى العالم تواجهها هذه الظروف؛ تواجهها قوات العدو اللى أكبر من إمكانياتها، وقد يستطيع العدو المزود بإمكانيات تفوق طاقته، وأيضاً نتيجة لقصور من جانبنا لا نستطيع أن نخفيه ولا يجب أن نخفيه، قد يستطيع هذا العدو احتلال رقعة من أرضنا، فليست هذه أيضاً هى الهزيمة، طالما أننا لم نقبل الاستسلام، وطالما أن إرادتنا حرة، لم نهزم، هزمنا فى معركة عسكرية، ولكن لم نهزم إطلاقاً، لم يستطع العدو أن يفرض إرادته على إرادتنا، كلنا نذكر أن أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - تراجعت أمام اليابان فى الحرب العالمية الثانية باتساع المحيط الهادى كله، وتراجعت بل هزمت فى معركة بيرل هاربر، كلنا نعرف أن الاتحاد السوفيتى تراجع أمام الغزو النازى حتى أبواب موسكو نفسها، ولم تقبل أمريكا بالاستسلام لليابان، ولم يقبل الاتحاد السوفيتى بالاستسلام لألمانيا النازية؛ رغم أن ألمانيا النازية اجتاحت جزءاً كبيراً من الاتحاد السوفيتى وقتلت أعداداً كبيرة من مواطنى الاتحاد السوفيتى، ماذا كانت النتيجة؟ إن النصر فى نهاية الحرب العالمية الثانية لم يكن لقوات ألمانيا النازية ولليابان؛ وهى التى حققت انتصارات بدت باهرة فى أوائل الحرب، وإنما كان النصر فى النهاية للذين فوجئوا، والذين تراجعوا، والذين بدوا بقرب الهزيمة فى المراحل الأولى للقتال؛ وذلك لأن هؤلاء المنتصرين فى النهاية - وهذا هو المهم - أدركوا منذ البداية أن الحرب ليست مجرد سلاح ضد سلاح، وإنما الحرب إرادة ضد إرادة. إن النصر يحققه ذلك الذى يستطيع فرض إرادته على عدوه، وليس ذلك الذى يستطيع فى مرحلة من مراحل المعركة أن يحطم كمية أكبر من سلاح عدوه، أو أن يحتل رقعة أكبر من أرضه، العبرة ليست بالسلاح وحده، وليست باحتلال رقعة من الأرض فقط، ولكن العبرة بالإرادة.
ونحن نتكلم عن هذا.. عن السلاح.. عن رقعة الأرض المحتلة، وعن إرادة شعبنا التى لم تنهزم، يجب علينا أن نذكر الموقف بعد نتيجة معارك أيام يونيو الستة، بعد معارك أيام يونيو الستة كان الموقف بالغ السوء، كانت خسايرنا فى المعدات كبيرة، ورقعة من الأرض احتلت، وكلنا تأثرنا من الصدمة، كل فرد منا تأثر من الصدمة، بل كل فرد فوجئ بالصدمة، وكل فرد فوجئ بالنتيجة. وأنا أيضاً فوجئت، ولكن يمكن مش كان يوم ٨ فاجأنى أو يوم ٩، ابتديت من يوم ٦ أحس بالأمر، وأحس بالخسارة، يوم ٨ قررت التنحى لسبب واضح؛ وهو المسئولية، وأنا كنت على ثقة وكنت أعتقد إنه لن يكون هناك رد فعل لخطاب التنحى؛ لأن أنا كنت أشعر بالصدمة، وكنت أشعر إن كل واحد فيكم وكل واحد من أبناء هذا الوطن بيشعر بالصدمة، وكان لابد أن يكون هناك مسئول عما حدث، وكان لابد أن يكون هناك مسئول يتحمل مسئولية الآمال والوعود، والتطلعات الكبيرة اللى كانت بتتقال، واللى كنا بنحس بها كلنا.
وكنت أعتقد أن الشعب، بعد ما هزمت قواته هزيمة عسكرية سريعة بهذا الشكل، سيفقد الأمل إلى حد كبير فى قدرتنا على الصمود وعلى المقاومة، وكنت أعتقد نتيجة لهذا أن الشعب سيرحب بالحلول السلمية؛ سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الدول الغربية المعادية لنا، وكنت أعتقد أن الشعب سيرى فى جمال عبد الناصر عقبة ضد هذا؛ وعلى هذا الأساس يوم ٨ بالليل قررت هذا القرار، ويوم ٩ أعلن هذا القرار فى حديثى لكم، وكانت ثقة الواحد اتهزت تقريباً فى كل شىء، وزى ما قلت لكم لم أكن أتصور رد فعل، لا بالشكل اللى حصل ولا أقل من اللى حصل؛ لأنى كنت باعتبر ان الهزيمة والصدمة تكون أثرت فينا كلنا إلى درجة الانهيار.. كنت غلطان يمكن فى هذا الاعتقاد، وأعتقد أيضاً ان أعداءنا كلهم كانوا متوقعين أن ننهار تحت وطأة الصدمة.
فى هذا الوقت اللى كان أعداؤنا فيه معتقدين ان احنا سننهار تحت وطأة الصدمة خرج الشعب ليؤكد قوة إرادته، وأن هذه الإرادة لا تقهر، وأنه لا يكفى لقهرها أى خسارة فى المعدات أو فى الأرض.
بدى أقول لكم يوم ٩ و١٠ - يوم الناس ما خرجت فى الشوارع بالآلاف أو بالملايين - ماكانش عندنا دفاع عن الضفة الغربية لقنال السويس، النهارده الظروف اختلفت، وباقدر أقول هذا الكلام، كان العدو موجود فى الضفة الشرقية للسويس، وكان الطريق ما بين السويس والقاهرة مافيش فيه ولا عسكرى‍!كانت الطريق إلى القاهرة مفتوحة بدون أدنى مقاومة؛ نتيجة الشلل الكامل اللى حصل فى قواتنا المسلحة.
فى بورفؤاد كانت المقاومة الشعبية هى اللى احتلت بورفؤاد، فى بورسعيد كانت المقاومة الشعبية هى اللى احتلت بورسعيد، فى الحقيقة كمان بدى أقول إن زكريا محيى الدين - باعتباره قائد المقاومة الشعبية - تولى المسئولية يوم ٨ بالليل حوالى الساعة ١٠، بعد الحال الذى وصلت إليه قواتنا، نتيجة المعارك اللى حصلت ابتداء من يوم ٥.
برغم هذه الظروف، وبرغم الحالة اللى كنا وصلنا إليها، وأعتقد إن الشعب كان يعلم إيه هى الحالة اللى وصلنا إليها؛ لأن بلاغاتنا كانت واضحة، بل البلاغ اللى طلع يوم ٩ الصبح عن تحرك العدو، وعبوره قنال السويس إلى غرب القنال فى بعض المناطق؛ كان بيبين الحالة اللى وصلنا لها فى هذا اليوم.. فعلاً كل واحد كان يبص لحالتنا ماكانش من الصعب عليه أن يشعر، وأن يحس أننا وصلنا إلى حالة انهيار كاملة، ولكن خروج الشعب لتأكيد قوة إرادته، ولتأكيد أن هذه الإرادة لا تقهر، وأن هذه الإرادة لا يكفى لقهرها خسارة معركة عسكرية، أو خسارة نسبة من المعدات، أو خسارة جزء من الأرض.. خرج الشعب وأكد هذا.. بتأكيد الإرادة الشعبية تغير الموقف.. تغير الموقف كلية بدون أن يطرأ عليه أى تغيير جديد مادى، بتأكيد الإرادة الشعبية أصبح الموقف البالغ السوء.. أصبح على الفور - وليس فى ذلك أدنى قدر من المبالغة - أقل سوءاً، وبالتحقق اليومى من صلابة هذه الإرادة الشعبية أصبح الموقف قابلاً للتحسن، وأصبح قابلاً للتحول، وذلك ما نستطيع أن نلمسه الآن، وقد مرت بعد النكسة خمسة شهور أصبح بعدها ممكناً للتراكمات الكيفية أن تحدث أثراً كمياً نستطيع أن نقيسه بالحساب.
هذا التغيير الذى أحدثته الإرادة الشعبية بدأ فى يوم كانت الحقائق المادية وحدها من الناحية العسكرية - وهو التعبير الظاهر للصراع المسلح - تقول بأننا خسرنا ما يقرب من ٨٠% من معداتنا الحربية فى معارك الأيام الستة، كما أن قواتنا كانت بتأثير الصدمة مبعثرة، وشبه تائهة، وكان معنى ذلك فى هذا الوقت أننا لم نعد قادرين لا على الهجوم ولا على الدفاع.
واليوم إذا أخذنا نفس القاعدة، وأجرينا على أساسها الحساب لمجرد القياس؛ فإننا نستطيع أن نقول باطمئنان إن قواتنا المسلحة قد استعادت جزءاً لا يستهان به من قوتها الحربية، كما أنها الآن تقف على جبهة قوية تقدر فيها على العمل المؤثر والفعال، ولست أريد الآن أن أخوض فى أى تفسيرات عسكرية تفيد العدو ولا تفيدنا، ولكننى أكتفى بالقول بأن المقدرة الحقيقية لقواتنا المسلحة الآن تفوق مقدرتها الحقيقية قبل بدء المعارك، وذلك تغيير ضخم وهائل لم نكن نحلم بالوصول إليه فى هذا المدى القصير من الزمن، الذى أحدث هذا التغيير الضخم أو الذى أتاح له أن يحدث هو الإرادة الشعبية التى تمركزت فى جبهة صمود سياسى بطولى ورفضت رفضاً كاملاً أن تخضع أو تلين، جبهة الصمود هذه هى التى سمحت لخطوات العمل الوطنى أن تتقدم، وأن تتحرك، وأن تحدث التغييرات المادية اللازمة والضرورية.
إن خطوات التغيير تلاحقت، وكان بعضها فى تلاحقه يبدو وكأنه غير مرئى، ولكن ونحن نستعرض الآن ما حدث، ونعبر عليه بنظرة شاملة؛ فإننا نستطيع أن نرى وأن نربط الخطوط ببعضها، نستعرض معاً:
أولاً: أول حاجة مواجهة الحقيقة فى النكسة، والمقدرة على استيعاب هذه الحقيقة، والمقدرة على تمالك النفس، واستبقاء الإيمان بالقدرة على تجاوزها، دا أول تغيير حل بنا بعد الهزيمة والنكسة - احنا سميناها نكسة - وأنا قبل ما أكتب النقط الخاصة بهذا الخطاب كنت بأراجع الجوابات اللى جات لى فى أخر وقت، فيه واحد بيقول احنا ليه سمينا اللى حصل نكسة؟ ما هى إنجلترا فى الحرب العالمية الثانية طلعت مهزومة فى دنكرك وسحبت قواتها من دانكرك ورجعت، ما قالتش إنها نكسة، ولكن اعتبروا العملية عملية أساسية لرفع المعنويات، وصمموا على القتال، وقالوا - القادة هناك - ان احنا ما عندناش غير العرق والدموع، ما سموش هذه الهزيمة نكسة.. اشمعنى احنا اللى سميناها نكسة؟
الحقيقة الراجل اللى كتب الجواب دا له حق، ليه احنا سميناها نكسة؟ باقول له ان احنا سميناها نكسة - يمكن أنا أول واحد قال هذا التعبير - نتيجة لما كنا نشعر به فى هذا الوقت، يوم ٨ ويوم ٩ يونيو، الحقيقة أنا أيضاً كنت أشعر بأن احنا حصلت لنا مصيبة كبيرة، وكان حالنا زى حال الراجل اللى طلع فى الشارع خبطته عربية أو خبطه تروماى أصبح عاجز عن إنه يتحرك، اترمى على الأرض مش عارف يعمل إيه، الحقيقة دا كان حالنا يوم ٨، وكان حالنا يوم ٩، ولكن حصل تغيير كبير قوى بعد ٨ وبعد ٩، والسبب فى هذا التغيير.. الصمود، لولا الصمود اللى وقفه هذا الشعب، والشعب العربى أيضاً فى كل بلد عربى؛ ماكانش ممكن ان احنا نقف على رجلينا، ماكانش ممكن ان احنا نعلن للعالم كله ان احنا رغم فقداننا قطعة من الأرض، ورغم فقداننا معركة عسكرية؛ ولكنا لم نفقد إرادتنا ولم نستسلم فى إرادتنا. بعد هذا خطوات التغيير تلاحقت بسرعة، وأهم حاجة هى قدرة هذا الشعب ذى التاريخ الطويل فى النضال.. إنه يواجه الحقيقة، من أول يوم واجه الحقيقة، واستطاع أن يستوعب هذه الحقيقة، ولم ينهار بل تمالك نفسه، وآمن بنفسه، آمن بقدرته على انه يستطيع أن يتجاوز هذه الهزيمة، وأن يتجاوز هذه النكسة. ما هو معنى ان احنا نفقد ٨٠% من معداتنا، ونحن مازلنا نواجه العدو، والعدو مازال يحتل أرضنا؟ ما هو معنى ان احنا نفقد العدد الكبير من القتلى؟ العدد الكبير من القتلى ١٠ آلاف جندى قتلى و١٥٠٠ ضابط قتلى فى هذه المعارك من يوم ٥ ليوم ٨، غير الأسرى، ٥ آلاف جندى أسير و٥٠٠ ضابط أسرى، فقدنا أيضاً جزءاً كبيراً من أبناء قواتنا المسلحة، وفقدنا عدداً كبيراً من أولادنا الضباط والعساكر اللى ماتوا فى ميدان القتال.
نحن بعد هذا - بعد يوم ٨ - كنا مكشوفين - زى ما قلت لكم - قدام العدو؛ جبهة القتال مكشوفة، والمدن أيضاً مكشوفة، جبهة القتال مكشوفة؛ زى ما قلت لكم ماكانش عندنا خط دفاعى غرب القنال، والمدن مكشوفة، ماكانش عندنا طيارات خالص علشان نجابه بها طيران العدو إذا أراد أن يعتدى على مدننا. رغم الكارثة اللى حلت بالطيران يوم ٥؛ إن ضباطنا الطيارين رغم تفوق العدو طلعوا بالطيارات اللى فضلت وجابهوا، وكانت المعركة بالنسبة لهم معركة انتحارية، جابهوا طيارات العدو، وأسقطوا من طيارات العدو، واحنا فقدنا فى هذه الفترة ٤٠ ضابط طيار، ما بين قتيل ومفقود، الناس أدوا الواجب على قد القدرة اللى كانت موجودة فى أيديهم، قيادتهم.. قيادة الطيران لم تقدر الموقف تقدير صحيح.. وتسببت فى الكارثة اللى حصلت للطيران صباح يوم ٥، بالتالى تسببت فى أن تنتهى المعركة بالطريقة اللى انتهت بها. استطعنا ان احنا نواجه الحقيقة رغم كل ما حصل لنا، استطعنا أن نواجه الحقيقة بعد هذا بأيام، طبعاً من أول يوم، بدأنا نلم نفسنا، ننظم دفاعاتنا، وصممنا على أن نقاتل من شبر إلى شبر، وحينما أراد العدو أن يتقدم إلى بورفؤاد فى أواخر شهر يونيو، لم نتركه فى معركة رأس العش واشتبكنا معاه، تصدت قواتنا المسلحة له، قبلنا بالمخاطرة، والطيران فى هذا الوقت ماكانش استعاد وضعه الطبيعى، والعدو كان قادر على إحداث التصاعد، ولكنا قبلنا المخاطرة ودا يبين التغيير اللى حصل فى هذه الأيام، نتبين هذا من غير خديعة للنفس؛ الخديعة للنفس فى ذلك الوقت كان من الممكن أن تصبح كارثة كاملة لا أمل بعدها، لم نخدع أنفسنا، واحنا لم نخدع.. لم نخدع الشعب ولن نخدعه؛ لأن احنا قدرنا نستوعب هذا كله، والمشاكل اللى تتفرع من كل الأمور اللى باكلمكم عليها، ان احنا نقدر نفوق من الصدمة ونفوق من الجهد النفسى.. نفوق من التعب النفسى والجهد النفسى اللازم لكى نفيق، بعد أن كان الواحد يشعر انه عايش فى كابوس، ولا يصدق أن ما حدث قد حدث، كوننا قدرنا نفوق هذا تغيير.
التحقق من الوضع الذى صرنا إليه بجميع حقائقه ليست مسألة سهلة، الجزء الأصعب من هذه الأمور ومن هذه المشاكل قد فات، ولكنى أعرف أن آثاره تبقى معنا زمناً.
طبعاً باعنى بهذا إيه؟ الثقة يمكن اتهزت إلى حد كبير، فيه ناس تمزقت نفوسها وقلوبها؛ خصوصاً الشباب من هذا الجيل حينما رأى إسرائيل تحتل جزءاً من أراضينا، وتصل بقواتها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس. أنا شفت عدد من الشباب متمزق.. مش قادر.. مش قادر يحتمل الصورة.. إن إسرائيل موجودة، وازاى تقدمت إلى الضفة الشرقية للقنال؟! وحينما أقول إن الجزء الأصعب قد فات لكن آثار هذا الجزء الصعب ستبقى معنا زمناً.. فى بعض الأحيان أجد بعض الناس يضيقون حين يجدون نظرة إلى بعض الأمور تشوبها عدم الثقة أو التجاوز أو النقد، طبعاً هناك قلق عند الجماهير نتيجة ما حدث، وازاى حنخلص من إسرائيل... ازاى حنخلص من اللى حصل؟ دا القلق.. ودا يمثل تعب نفسى لكل الناس، يمكن للقيادات وللجماهير وللشباب. وأقول فى كل الظروف يجب علينا أن نحسن تقدير الظرف النفسى للجماهير.. على كل القيادات حينما تضيق الجماهير، حينما تبين قلقها، حينما تظهر الضيق النفسى.. وأنا أعتبر أنها معجزة أن يصدق الناس بعد ما جرى فى هذه الأيام الستة أى شىء، الشعب استوعب الصدمة.. الشعب بأصالته وبتاريخه الطويل المناضل المكافح استطاع أن يتغلب على الصدمة النفسية، ولكن استيعاب الصدمة لا يعنى أن الصلة بعدها انقطعت بكل ما كان قبلها أو خلالها، لابد أن ندرك أن هناك رواسب، ولكننا اجتزنا امتحاناً كبيراً، وسوف تتأكد الثقة بمقدار ما تستحق تصرفاتنا هذه الثقة، وبمقدار ما يتعود الناس على ذلك. يتصل باستيعاب النكسة أن نتقبلها جميعاً كرجال، طبعاً حينما أشرح.. حينما أتكلم عن الصدمة، أو حينما أتكلم عن القلق النفسى، وحينما أتكلم عن التمزق النفسى وتمزق القلوب لشباب هذا الجيل، وحينما أتكلم عن ضرورة العلاج النفسى لكل هذه الظواهر، وحينما أتكلم أن ما حدث فى ٥ يونيو وفى الأيام الستة لا يمكن أن تزول آثاره بسرعة.. حينما أتكلم عن هذا، لابد أن أقول يجب أن نتقبل آثار النكسة جميعاً كرجال ونستوعبها، معنى إيه كرجال؟
معناه إن مش كل واحد يطالب غيره بالحساب، الحقيقة بعد النكسة وبعد الأيام الستة كان فيه موجة من النقد وأنا تكلمت عليها يوم ٢٣ يوليو فى خطابى، ولكن وضع طبيعى قوى أن تكون هناك موجة من النقد، ولكن كون هذه الموجة من النقد تنقلب مثلاً إلى التشكيك فى كل شىء، معناه ان احنا ما قابلناش النكسة مقابلة الرجال. إذا كان كل واحد؛ فى كل مصنع، وفى كل مكان، وفى كل موقع، يطالب بمحاسبة غيره، كل واحد يطالب بحساب غيره وبيذم فى غيره، معناها ان احنا ما قدرناش نستوعب النكسة استيعاب الرجال أبداً. كل واحد فى مكانه - على قد ما بيفسر النكسة - مسئول عن ظروف أدت إلى ذلك.. كل واحد.. أنا وقفت يوم ٩ وقلت ان أنا باتحمل المسئولية كلها عن كل شىء، مش معنى هذا ان أنا النهارده باقول لا أنا ما تحملش المسئولية! لا أنا باتحمل المسئولية، ولكن أيضاً مش أنا اللى هاقدر أغير كل شىء فى هذه البلد لوحدى، إذا كان كل واحد يطالب غيره بالحساب وهو نفسه ما يتحاسبش، معنى دا إيه؟ معناه ان احنا بننقاد إلى خطوط أو طرق أو مسارات قد يكون أعداؤنا بيوضعوها لنا. كل واحد قبل ما ينقد غيره ينقد نفسه، كل واحد منا مسئول، كل واحد منا يجب أن يساعد على كسب معركة الإرادة بإنه يدى الثقة فى النفس للناس كلها.
برضه باقول ان أنا شفت الجوابات فى الفترة اللى فاتت، وأنا باستمرار فى كلامى يمكن كنت باستشهد بالجوابات، حاجة.. ملاحظة لاحظتها فى الشهور اللى فاتت، أنا ما لاحظتش أبداً اليأس، مافيش ملاحظات اليأس.. يمكن فيه نقمة.. فيه غضب.. ناس زعلانة وفيه أيضاً مستوى عالى من نقد الغير فى المصانع والمؤسسات، والمصالح والمواقع المختلفة، طبعاً عدد كبير من هذه الجوابات، ولو ان أنا باقراها، ولكنها جوابات بدون إمضاء، كل واحد يمكن مش عاجبه حاجة أو زعلان مع واحد أو متضايق من واحد كتب فيه، طبعاً أنا لا أستطيع أن أتصرف فى هذه المواضيع على أنها قضية مطلقة، ولكن أنا فى هذا باقول ان أنا باحاول أتحرى، لكن أنا بانتهز فرصة كلامى النهارده اللى باتكلمه فى افتتاح مجلس الأمة، وفى نفس الوقت باتكلمه أيضاً لكل أبناء الوطن؛ باقول ان احنا يجب أن نتقبل الموقف كما يتقبله الرجال، ومش كل واحد فينا يلقى اللوم على غيره، كل واحد فينا يتوجه بالنقد لغيره.. إذا كنا فعلاً عايزين إرادتنا تقوى كل واحد فينا يتوجه بالنقد لنفسه، ويحاول أن يصلح من أخطائه.
وحينما أقول إن كل واحد فينا فى مكانه مسئول عن الظروف التى أدت إلى النكسة، وأنا قلت - ومازلت أقول - إننى أتحمل المسئولية كلها، وسوف أظل أتحملها كلها وأرضى فيها بأى حساب، وأقبل فيها كلمة الشعب كيفما تكون، وإذا سرنا كما يسير الرجال فى هذه المرحلة.. أنا على ثقة ان إرادتنا ستقوى وتقوى وتقوى. تذكرون حضراتكم بعد موقف الشعب يوم ٩ و١٠ يونيو، وإصراره على رفض قرارى بالتنحى، أننى قلت فى رسالة إلى مجلسكم الموقر: إن صوت جماهير شعبنا بالنسبة لى أمر لا يرد؛ ولذلك فقد استقر رأيى على أن أبقى فى مكانى وفى الموضع الذى يريد الشعب منى أن أبقى فيه، حتى تنتهى الفترة التى نتمكن فيها جميعاً من إزالة آثار العدوان، على أن الأمر كله بعد هذه الفترة يجب أن يرجع فيه إلى الشعب فى استفتاء عام.

النهارده أقول بعد استيعاب كل ما حدث، بعد تقبل المسئولية لكل منا، بكرامة الرجال، لابد أن يكون هناك الإيمان بالقدرة على اجتيازها؛ معنى ذلك أن نملك أنفسنا، وأن نخرج من دور الانفعال إلى دور الفعل، طبعاً كل واحد فينا كان له حق الانفعال يوم ٨ ويوم ٩ ويوم ١٠ ويوم ١١، وبعد كده.. ولكن الانفعال حيعمل لنا إيه؟ الانفعال حيخلينا باستمرار غير قادرين ان احنا ندى القرار الصحيح. أنا باقول هذا وأنا أيضاً كنت زى أى واحد من أبناء هذا الوطن دخلت فى دور الانفعال، خطابى يوم ٩ لكم كان انفعال، خطابى يوم ١٠ لكم كان انفعال، وما حدث يوم ١١ أيضاً كان انفعال، بالنسبة للتغييرات فى القوات المسلحة بما حدث، وحدث بالذات يوم ١١ فى القوات المسلحة.. لكن بعد كده ابتدينا نفعل، ابتدينا نعمل.. كل واحد يحاول انه يتمالك نفسه ويقضى على الانفعال.حتى نستطيع أن نجتاز المرحلة اللى احنا عايشينها يجب أن نملك أنفسنا، ونخرج من دور الانفعال إلى دور الفعل، بالنسبة للتفكير، وبالنسبة للتخطيط، وبالنسبة للتنفيذ، وبالنسبة للمراجعة المستمرة لكل خطوة؛ لأن احنا فى هذه المرحلة وفى هذا الوقت فى ظروف لا تحتمل تراكم الأخطاء، دا الجزء الأول فى الاستعراض.
الجزء الثانى، هو كان لابد للعمل أن يبدأ بالقوات المسلحة، وزى ما أنتم عارفين اتخذت قراراً بتغيير كل قيادات القوات المسلحة، وبدأت عملية إعادة تنظيم القوات المسلحة، عملية من أصعب ما يكون، فى ظروف من أصعب ما يمكن أن نتصور. لم يكن الأمر مجرد تغيير قيادات، كان التغيير فى القوات المسلحة أبعد وأعمق، كانت هناك بعض العناصر استغلت الوضع السياسى للقوات المسلحة، كانت هناك بعض العناصر تريد أن تتخذ من الوضع السياسى للقوات المسلحة مركز من مراكز القوة، هناك بعض العناصر كانت تقيم من نفسها طبقة عازلة فوق القوات المسلحة، هناك ظروف سمحت لها بذلك، ولابد أن نضع هذه الظروف فى إطارها التاريخى الدقيق، لا ننسى أن القوات المسلحة كانت أداة تحقيق الثورة الشعبية، وذلك دور ليس بالدور السهل، وله نتائج؛ من أبسط هذه النتائج احتمال ظهور مثل هذه الطبقة.
طبعاً وأنا باتكلم النهارده هذا الكلام حيتساءل ناس، وممكن أنتم تتساءلوا وتقولوا: طيب يا جمال يا عبد الناصر ازاى سبت الأوضاع بهذا الشكل قبل النكسة؟! فيه ناس فى البلد متصورة إن جمال عبد الناصر أما يقول شىء، أو أما يعوز شىء، لازم ينفذ هذا الشىء فى الحال، ولابد أن ينفذ هذا الشىء فى الحال! الناس ما بتعرفش إيه المداخل، وإيه اللى بيجرى فى الكواليس، دا مش بالنسبة لنا احنا بس، بالنسبة لكل دول العالم، الصراعات بتكون موجودة باستمرار، والاتجاه إلى مراكز القوى بيكون اتجاه قائم، ثم وجود مراكز للقوى، ووجود إرادات مختلفة فى هذا النظام، أو فى أى نظام، طبعاً دا أيضاً كان موجود. سنة ٦٢ حاولنا ان احنا نتغلب على هذا بان احنا عملنا مجلس رياسة، وغيرنا فى النظام، ولكن لم نستطع أن نتغلب، وكنا فى كثير من الأمور بتكون الحلول الوسط هى الحلول اللى تمكن من السير بسلام، وتجنب اصطدامات قد تكون لها أضرار بليغة. وأنا قابلتنى مشكلة بعد يوم ٩ و١٠، الحقيقة ان أنا الكلام اللى قلته يوم ٩ إن أنا أمشى يمكن أنا أيضاً كنت أنانى فيه؛ لأن أنا لو مشيت يوم ٩، وتنحيت أيضاً يوم ٩، بالإضافة إلى الأسباب اللى أنا قلتها، كنت كإنسان وكبشر حاستريح جداً، ولكن بعد يوم ١٠، وبعد عودتى يوم ١٠ أنا صممت على ان أنا مش حاقبل حلول وسط، وإنى سأواجه كل المشاكل بالطريقة اللى أعتقد إنها الطريقة الصحيحة السليمة اللى يجب ان أنا أواجه بها المشاكل حتى لا تتكرر بعض المآسى اللى حصلت وشفنا نتائجها يوم ٦.
ولكن دا أيضاً ما ريحنيش، دخلنى فى مشاكل لا أول لها ولا أخر بعد يوم ١٠، وكان أول مشكلة دخلتها بعد يوم ١٠ يوم ١١، ما تعرفوش أنتم إيه اللى حصل يوم ١١، ولكن يوم ١١ حصلت مشاكل فى القوات المسلحة؛ اللى نتج عنها صدور قرارى تعيين القائد العام الجديد وتنحية جميع القيادات اللى كانت موجودة فى هذا الوقت. وكنت أعتقد ان أنا ما أقدرش أدى حل وسط فى هذا الموضوع؛ لأن أى حل وسط كان سيكرر المأساة، وكان لابد ان احنا نمشى بعد هذا فى القوات المسلحة بدون حلول وسط؛ بحيث تكون القوات المسلحة هى فعلاً قوات مسلحة وليس الأمر مجرد تغيير القيادات. ولكن الأمر والتغيير كان أبعد وأعمق؛ وعلى هذا الأساس كان لابد من أن تغير العناصر اللى استغلت الوضع السياسى للقوات المسلحة، واتخذت من القوات المسلحة وسيلة لكى تجعل من نفسها مركز من مراكز القوى، وأيضاً العناصر اللى كانت تقيم من نفسها طبقة عازلة فوق الجيش.
وبعد هذا أبعدت العناصر التى أظهرت تجربة الاستعداد عدم كفاءتها، أبعدت العناصر التى ثبت بتجربة ميدان القتال أنها غير قادرة على مسئولية ميدان القتال؛ على ضوء النكسة وفى حراراتها كنا نعيد بناء القوات المسلحة.
وللأمانة فإن المهمة لم تكن فى حد ذاتها صعبة إذا نحينا جانباً الصعوبات التى تخلقها الظروف، المهمة كانت ممكنة بفضل إيمان أفراد القوات المسلحة أنفسهم - ضباطاً وصف ضباط وجنود - بفضل فهمهم وبفضل وعيهم، لقد كانت الأخطاء التى وقعت فى إدارة المعركة أكبر من شجاعة هؤلاء الرجال، ومع ذلك فإنهم أعطوا وبذلوا واستبسلوا، وبرز من بينهم الأبطال، وسقط من وسطهم الشهداء.
هناك أفراد تصرفوا بغير تقدير للمسئولية، ولكن ليست هناك وحدة تركت موقعها بغير أوامر، كان واضحاً أن جهاز القيادة أصيب بارتباك فور بدء المعركة، وفور تلقيه مفاجأة الضربة الأولى فى الطيران ونتائجها، ويعلم الله أنها لم تكن مفاجأة وكان فى الإمكان مواجهتها، ولكن ذلك لم يعد موضع بحث الآن إلا بالقدر اللازم للاستفادة منه، وإلا بالقدر اللازم لحساب المسئولين عنه، وهذا الحساب يجرى الآن فعلاً. المهم أن الرجال حينما أتيحت لهم الفرصة للقتال قاتلوا كالرجال، والدليل أن الاستجابة مع عملية إعادة البناء جرت بسرعة، ومكنت على الفور من تدعيم خط المقاومة، والتجربة أثبتت أن المهم هو الرجال أكثر من السلاح، ليست المسألة تخزين سلاح ولكن مقدرة على استعمال السلاح، جهد التدريب.. جهد الإعداد.. جهد العمل الذى يجرى الآن فى القوات المسلحة يستحق إعجاب الوطن وتقديره، وسوف تكون له قيمته العملية - بإذن الله - عندما تتاح له الفرصة للاختبار، جهد لا يكاد يصدق، ويفوق طاقة الإنسان، فعلاً العساكر والضباط والقيادات والضباط الصغيرين والضباط الكبار بيشتغلوا طول الوقت من أجل التدريب على استخدام السلاح.
النقطة التالتة: مع البدء فى البداية الصحيحة فى إعادة بناء الجيش، بدأنا فى إلقاء نظرة شاملة بالمراجعة على أوضاعنا الداخلية، أنا بدى أقول حاجة، يجب أن ندرك ان احنا ما نقدرش تحقيق كل شىء دفعة واحدة؛ خصوصاً فى ظروف مثل ظروفنا. تحدثت فى شهر يوليو عن ضرورة التغيير، حدثت تغييرات كبيرة فى كل ناحية مما كان الشعب يطالب به، وأنا معه فى المطالبة به كما تكلمت فى ٢٣ يوليو، طالبنا بعمل جاد وحازم، وبدأنا فعلاً فى كل المجالات بالنسبة لكل الوزارات، وطلبنا هذا فى مجلس الوزراء بأن نعمل عمل جاد وحازم، للقضاء على الأسباب التى يشكو منها الناس، والقواعد اللى بتضايق الناس، واللوايح اللى بتسبب مشاكل للناس، فطلبنا تغيير هذا كله، وبدأنا فى النظر فى هذا الأمر وزارة وزارة.
وطلبنا من الوزراء، كل فى وزارته، بالنسبة للوايح وبالنسبة لأى شىء، وبالنسبة للقطاع العام على الأخص، أن تبسط كل الأمور بالنسبة للناس؛ علشان نستطيع أن نرفع عن الناس أعباء كانت موجودة أو أعباء احنا خلقناها. طالبنا بنهاية للامتيازات فعلاً فى مجلس الوزراء، وبحثنا هذا.. بالنسبة لاستخدام العربيات، بالنسبة للشقق اللى أخذت من الحراسات، وقلنا إن الشقق اللى أخذت من الحراسات امتيازات؛ لأن أخذت شقق بإيجار رخيص، ويجب أن نعيد النظر فى هذه الشقق، بالنسبة للجمع بين المرتب والمعاش، وقلنا إن عملية الجمع بين المرتب والمعاش عملية فيها امتياز ويجب إعادة النظر فيها، طالبنا بالتكافؤ فى التضحيات، وطالبنا بأن يكون هناك حساب وعقاب، طالبنا بالنقاء الثورى والطهارة الثورية، طالبنا بالمزيد من الديمقراطية.. طالبنا بكل هذا وخطونا فى اتجاهه، وما اقولش ان احنا حققنا كل شىء، ولكن باقول ان احنا خطونا فيه.. بدلات كثيرة ألغيت أو خفضت، وفيه امتيازات أيضاً ألغيت أو فيه دراسات الآن لتخفيضها، فيه ضرايب زيدت بالنسبة للشرائح الكبيرة.
بالنسبة للكلام اللى بيتقال الكثير، أنا باقول قانون "من أين لك هذا؟" لابد أن يطبق، ونعرف بالنسبة لكل الناس اللى خدموا من سنة ٥٢ لغاية النهارده عندهم إيه؟ من أول رئيس الجمهورية لغاية... إيه اللى بيخلينى باقول هذا الكلام؟ طبعاً احنا تحت حملة نفسية حاتكلم عليها بعد شوية، حملة تشكيك.. إلى أخر هذه الأمور، نحط الأمور كلها بوضوح، ونعمل لجنة من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مع بعض، ونبتدى فعلاً نشوف، وفيه قانون اللى هو بنعمل على أساسه الإقرارات، لكن نبحث.. كل واحد بيعمل إقرار وتبحث هذه الإقرارات. فيه خطوات اتخذت، وفيه خطوات ممكن تتاخد، البت فى موضوع الحراسة فهم غلط، أما قلنا ان احنا بنشيل الحراسة معناها إن الناس اللى اتوضعت على الحراسة بتستعيد كل أملاكها، الموضوع الحقيقة مش بهذا الشكل... الموضوع ان كانت فيه حراسات موضوعة قبل سنة ٦٤، وفى سنة ٦٤ سوينا هذه الحراسات - فى مارس - وقلنا إن كل واحد.. بتصفى هذه الأملاك، بتعود إلى الدولة.. وندى له سندات على الدولة بمبلغ ٣٠ ألف جنيه.
إذن موقفه الطبقى اتصفى، المفروض إنه خد سندات على الدولة بـ ٣٠ ألف جنيه؛ ولكن هذا الإنسان لازال موضوع تحت الحراسة، ليه احنا بنحطه تحت الحراسة؟ المفروض.. أو مش المفروض ان احنا ننتقم منه انتقام شخصى، المفروض إنها عملية بالنسبة للامتيازات الطبقية، هذه الامتيازات الطبقية إذا خلصت ليه باخلى الرجل تحت الحراسة؟ باقول إن الواجب الإنسانى والمطلب الإنسانى إن هؤلاء الناس بنشيل عنهم الحراسة، لكن مش حنرجع لهم أملاكهم ولكن هم أخدوا السندات - اللى هى بـ ٣٠ ألف جنيه - بفايدة ٤% ودا تحقق فى سنة ٦٤. الناس اللى فرضت عليهم الحراسة بعد سنة ٦٤ - الناس بتوع تصفية الإقطاع - فيه لجنة اتعملت بيرأسها كمال رفعت، هذه اللجنة بتبحث التظلمات؛ طيب ليه بتبحث تظلمات؟ فيه جوابات من اللى أنا شفتها بيقولوا لى - بعدما طلع ان احنا بنبحث تظلمات - ليه بنبحث تظلمات؟ احنا طول عمرنا كنا نبحث التظلمات؟ بس ماكانش فيه انفعالات زى دلوقت، وقبل يونيو كنا نبحث تظلمات لجنة تصفية الإقطاع، وكانت فيه لجنة بيرأسها أيضاً كمال رفعت، كانت بتبحث هذه التظلمات، ولجنة فرعية من لجنة تصفية الإقطاع، العملية النهارده اللى احنا بنشوفها هى عملية مستمرة ولكن فيه حساسيات كبيرة، الناس بتفتكر ان احنا بنتراجع مش بنراجع، لأ احنا بنراجع مش بنتراجع، ونبحث التظلمات والرجل اللى فعلاً ظلم بنرفع عنه هذا الظلم.
برضه فيه جوابات بتقول لى الناس اللى خرجوا نتيجة انحرافات القطاع العام ليه تبحثوا تظلماتهم؟ كل واحد خرج بحثنا تظلماته، واللى ما بحثناش تظلماته عملنا لجنة فى وزارة العدل وقلنا هذه اللجنة يرأسها وزير العدل، وقلنا هذه اللجنة تبحث تظلمات الناس اللى فصلوا، وهذه اللجنة من قبل النكسة من قبل ٥ يونيو.

بالنسبة للجنة تصفية الإقطاع عملنا لجنة بيرأسها كمال رفعت، هذه اللجنة هى اللى كانت بتنظر التظلمات، وقلنا إنهم بينظروا التظلمات، فيه ناس برضه بعتوا لى تلغرافات - أقصد جوابات - وقالوا لى إذا ناس رجعوا ما يرجعوش فى وظايفهم؛ لأنهم إذا رجعوا فى وظايفهم هينتقموا، لأن قد تكون أخذت أقوال، وقد تكون أخذت شهود، ودول ناس فى مراكز كبيرة.. وقد يكون هذا الكلام كلام وجيه، ولكن الراجل اللى انظلم واللى اطلع على بيانات فيها نوع من الظلم يجب أن نرد عنه هذا الظلم، دا بالنسبة للحراسة.بالنسبة لموضوع المعتقلين، احنا اعتقلنا عدد من الإخوان المسلمين بعد عمليات الإرهاب اللى كانت موجودة من سنتين، طبعاً ماكانش مفروض ان احنا حنعتقل هؤلاء الناس إلى الأبد، ولكن كان حتى مفروض ان احنا سننظر فى هذه الاعتقالات، وكان فيه بعض تقارير موجودة بالإفراج قبل العدوان وقبل النكسة، ولكن طبعاً الظروف اللى اتحطينا فيها خلتنا نوقف أى إفراج، ماكانش ممكن بعد النكسة ان احنا نفرج، ولكن أنا أشعر النهارده ان وضعنا الداخلى يمكننا من ان احنا نفرج.. وعلى هذا تصدق على الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، مش حيفضل من المعتقلين إلا الناس اللى كانوا أعضاء فى الجهاز السرى والتنظيمات السرية المسلحة، وهؤلاء الناس كان عليهم أحكام وأنا فى سنة ٦٤ اديتهم عفو وشلت عنهم هذه الأحكام؛ إما عفو صحى أو عفو كامل، وعملنا لهم قانون بأنهم يرجعوا إلى وظايفهم، نتج بعد كده بسنتين من ٦٤ هذه العمليات الإرهابية وأنتم أخذتم فيها قرار هنا فى مجلس الأمة، دا خلانا نمسك كل الناس اللى كانوا مشتركين فى تنظيمات إرهابية مسلحة أو حكم عليهم فى السابق وأفرجنا عنهم، هؤلاء الناس بنفرج عنهم بالتدريج، ولكن عددهم مش هو العدد الكبير، عددهم أقل من ١٠٠٠.
موضوع العزل السياسى: أيضاً دا تقرر من أيام اللجنة التحضيرية سنة ٦٢، ومش معقول ان احنا حنعزل الناس عزل سياسى إلى الأبد، لازم بنبص، واحنا رفعنا العزل السياسى عن عدد كبير من الناس قبل كده، والنهارده لازم نبص لرفع العزل السياسى، بالنسبة لعدد كبير من الناس، الناس اللى عزلهم السياسى مافيهش ضرر ليه نخليهم معزولين عزل سياسى؟
أنا أعتقد ان كل هذه الخطوات هى نحو مشاركة ديمقراطية أوسع، وكانت هناك مناقشات فى الصحف بدون أدنى تعرض، كانت هناك رقابة عسكرية، وهذه الرقابة العسكرية ضرورية، ولكن كانت هناك آراء حرة تقال، ونحن نعتبرها ضرورة أيضاً، كان هناك نقد وكنا نرى أن نترك كل هذه الأبواب مفتوحة، كنا نعتقد أنها ظاهرة صحية، ماكانتش مخوفانا، وبرضه فيه ناس بعتوا لى جوابات وقالوا لى ليه انت سايب هذه المعارك الصحفية اللى موجودة فى البلد؟ دى بتبين إن فيه انقسام فى الرأى العام، وفيه ناس قالوا إن فيه وجهة نظر تعبر عن على صبرى، ووجهة نظر تعبر عن زكريا محيى الدين - الكلام اللى بيتقال فى المجلات الأجنبية - وان احنا عندنا أجنحة، جناح يمينى وجناح يسارى. بدى أقول لكم ان احنا عندنا وحدة فى القيادة، كل الكلام اللى بيتقال عن هذه الأجنحة كلام لا نصيب له من الصحة، وهو إيه اليمين وإيه اليسار؟ دا عملية نسبية، أنا قريت "مين اللى بيحكم مصر زكريا محيى الدين واللا على صبرى؟‍!" وباقول إن كل دا الغرض منه التشويش وفقدان الثقة، النهارده فيه رئيس للجمهورية هو جمال عبد الناصر، وفيه نواب لرئيس الجمهورية، وفيه وزراء، وفيه اتحاد اشتراكى، وكلنا لازم نكون ماشيين على سياسة واحدة، اللى مش ماشى ومش موافق على هذه السياسة بيترك وبيسيب.. دا الوضع الطبيعى.
بدى أقول إن النهارده مافيش مراكز قوى، ومافيش تجمعات قوى، ودا بيخلى الأمر أمر سهل، أنا قلت الكلام دا بمناسبة المقالات اللى طلعت فى الصحف، أنا كنت باقول بعد النكسة فيه انفعالات عند كل الناس، اللى عايز يتكلم يتكلم، اللى عايز يقول رأى محدد بيقول، اللى عايز يقول رأى مخالف بيقول، ما حصلش ضرر، ما حصلش انهيار، ما حصلش انقسام، واحنا كنا بنتعرض لنقد، ومافيش نظام تعرض لما تعرضنا له من نقد، مافيش نظام انتقد نفسه بالشكل الواسع، ولم يحدث فى أى بلد عربى من البلاد التى واجهت ما واجهناه نقد ذاتى كالذى حدث عندنا، ونحن نعتبر هذا دليل صحة.
شىء آخر فى مجال التغيير، حساب الانحرافات فى جهاز المخابرات الذى تكشف، وحصل واكتشفت انحرافات فى جهاز المخابرات، وحينما اكتشفت ما سيبناهاش، اللى اشتركوا فى هذه الانحرافات اعتقلوا، وتعرضوا للتحقيق، وحيروحوا للمحاكمة.. حيروحوا لمحكمة الثورة، فيه ناس طبعاً بيلقوا لوم هذه الانحرافات على النظام.. أنا بدى اقول إن الانحرافات بتحصل فى كثير من أجزاء العالم، المهم ان احنا نلحق نفسنا ونبتر هذه الانحرافات، الانحرافات اللى حصلت فى هذا الجهاز حتعرفوها، أو يمكن سمعتوا عليها، أكثرها انحرافات رخيصة، ومش دا المجال الحقيقة اللى أنا أتكلم فيه.
حصلت فى كثير من أجزاء العالم أمثلة مشابهة، برضه جت لى جوابات ازاى أنت ماكنتش تعرف؟ وازاى الريس ماكانش يعرف باللى جارى وبهذه الانحرافات؟ وأنا باقول النهارده فرصة ان أنا أرد على هذه التساؤلات.. ويمكن أنتم بينكم وبين بعض أثرتم هذه التساؤلات، إذا كانت الانحرافات حصلت فى المخابرات، إذا كانت المخابرات هى المفروض إنها تقول لى على الانحرافات اللى تحصل فى البلد، ماكانش ناقص إلا ان أنا أعمل مخابرات على المخابرات، وأعمل مخابرات على جهاز رقابة المخابرات.. وهكذا لا ننتهى. ولكن أنا باقول اللى حصل برضه كان نتيجة الاتجاه نحو مراكز للقوة، والاتجاه نحو خلق مجموعة تستطيع إنها فى المستقبل إنها تحكم، ونسيت نفسها فانحرفت وما وصلتش.. قبل ما توصل لهدفها - اللى هو الحكم - وجدت ان سهل الانحراف فانحرفت.
أنا باقول لكم بصراحة ان أنا كنت أرى بعض مظاهر الانحرافات قبل ٥ يونيو، ولكنى لم أكن أتصور مداها، حاولت بكل ما أستطيع، نجحت أحياناً، ولم أر الحقيقة كلها فى أحيان أخرى، وأنا فعلاً كنت أشفق على البلد من تكتلات القوى ومراكز القوى، وكان حديثى دائماً أيام انتخابات الرياسة، وبعد كده، وعندكم هنا، ومرة جيت قلت لكم هل نعمل حزب أو حزبين؟ ووضعت لكم مجموعة من الأسئلة، وكان حديثى عن الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية؛ لأن دا كان السبيل الوحيد ان احنا نغطى على الانحرافات.
هو أنا من تجربتى الماضية الناس بتخاف من إثارة أى شىء يا إما فى مجلس الأمة يا إما فى الصحف، ولكن بعد كده ما بيهمهاش ان الشخص ينحرف، والناس تتهامس ما بيهمش، طالما الموضوع ما اتفتحش فى مجلس الأمة، أو ما اتنشرش فى الجرايد خلاص، ولهذا أنا أيضاً مرة اتكلمت معاكم هنا على أساس ان احنا فى حاجة إلى مجتمع مفتوح، لكن طبعاً بتوع المخابرات وسائل الإخفاء كانت مباحة، بالنسبة لدولة المخابرات اللى وجدت، واللى تغلغلت، واللى انحرفت، أنا باعتبر ان هذه الدولة سقطت، وإن هذا السقوط مسألة فى منتهى الأهمية، وأنا باعتبرها من أهم الجوانب السلبية التى تخلصنا منها فى سبيل تطهير الحياة العامة فى مصر.
نقطة واحدة فيما وعدت به فى يوليو لم أنفذها، وأعتذر عن ذلك وأرجو أن يقبل عذرى، وهذه النقطة هى تشكيل اللجنة المركزية، الحقيقة الظروف اللى قابلتنا بعد ٢٣ يوليو كانت تخلينى أترك جانباً هذا الموضوع، بالنسبة للظروف اللى حصلت فى الجيش، والانقسام اللى كان ممكن يتعرض له الجيش، والمآسى اللى احنا كان ممكن نبقى فيها فى البلد، وخلتنا ان احنا نسيب التفكير كلية فى اللجنة المركزية ونفكر فى الإنقاذ. طبعاً فى هذا الوقت قلنا ان احنا حناخدها بالتعيين أو بمؤتمر قومى، وفضلنا مؤتمر قومى، وقلنا إذا قلنا بالتعيين معنى هذا ان احنا حنعين لجنة.. مجموعة من الشلل، وكان المطلوب انها تكون بالانتخاب، والانتخاب من مؤتمر قومى ووسعت القاعدة وأضيف إليها ٢٠٠٠ من العناصر الجديدة فى المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكى. دى نقطة نتكلم عنها أيضاً لسه بالنسبة للمستقبل، ولازلت أعتقد ان تنشيط العمل السياسى فى الاتحاد الاشتراكى، وعمل مؤتمر قومى، أو مؤتمرات قومية فى المحافظات، ثم عمل مؤتمر قومى، ثم الوصول إلى لجنة مركزية مع توسيع القيادات.
أنا اتكلمت فى ٢٣ يوليو وقلت قيادات جديدة، برضه جالى بعض الجوابات وبيقولوا لى: ليه أما بتعين وزرا ما بتاخدش قيادات جديدة؟ مش من السهل خالص ان أنا آخد قيادة جديدة وأعينها فى وقت سريع؛ لأن أنا أولاً إذا كنت حاعين وزير لازم أكون أستطيع أن أتعامل مع هذا الوزير، أستطيع أن أثق فيه ١٠٠%، والقيادات الجديدة بتاخد وقت علشان توصل إلى مكان القيادة، وبتاخد منا وقت أيضاً علشان نعرف هؤلاء الناس وندرسهم ونلتقى بهم.
النقطة الرابعة فى كلامى فى هذا الاستعراض: هو موضوع محاولة الاستيلاء على قيادة الجيش، أرجو أن يعرف المجلس الموقر أن هذا الموضوع بالنسبة لى مشحون بمشاعر لا أستطيع مغالبتها، وقبل أى شىء وبعد أى شىء، فالإنسان أولاً وأخيراً إنسان، فى هذه العملية فقدت أقرب الناس لى وأقربهم على الإطلاق، ولكن كان هناك وضع يخلق تمزقاً فى الوطن، وكان على أنا ان أنا أتخذ قرار حازم فى هذه الأمور، وأنا ما رضيتش أتخذ قرار أبداً، ومارضيتش حتى أتكلم مع حد منكم، رغم إنكم سمعتم كلام، ورغم إن عدد كبير منكم سمع كلام، وأنا رفضت كلية ان أنا أتكلم، ولكن حينما وصل الموضوع إلى الجيش وإلى القوات المسلحة، وبان ان احنا داخلين فى حرب أهلية أو هناك خطر انقسام، كان لابد لى أن آخذ قرار، كان هناك بعض المغامرين الذين لا يهمهم غير مصالحهم وامتيازاتهم، وقد حاولوا الدفاع عنها بأى وسيلة، وغرروا فى سبيل ذلك بغيرهم.
وأنا أعتبر أن القضاء على محاولة إحداث انقسام فى الجيش، وفى القوات المسلحة، وفى الوطن فى مثل هذه الظروف، عملية هامة؛ خلعت من وسط العمل الوطنى لغماً كان يهدده بانفجار خطير لا تحسب عواقبه، كان على أن أتخذ هذا القرار رغم العوامل المتضاربة، واتخذت هذا القرار فى يوم ٢٥ أغسطس حينما علمت.. وعرفت ازاى.. أنا جم لى ضباط من الجيش وبلغونى، وهو المخابرات العامة كانت بتتصفى؛ لأن هى المخابرات العامة كانت منحرفة، وناس جم وبلغوا من الجيش ومن الطيران على العملية اللى بتدبر، كان لابد ان أنا أتخذ قرار، وكان لابد أن أسير فى هذا القرار مهما كانت الناحية العاطفية، وكان لابد من إنقاذ الوطن، والحمد لله رغم العواطف فقد استطعنا أن ننقذ هذا الوطن من الانقسام ومن الألغام.

النقطة الخامسة فى الاستعراض: هى الخاصة بالعمل العربى وما استطعنا إحرازه فيه، المعركة تقتضى كل القوة العربية بتمامها وشمولها، وتمت اتصالات - كلكم تعرفوا القصة فى البداية - مع القوى التى شاركت مشاركة عملية فى المعركة، ولكنا آمنا أن لابد من العمل لكى يدخل الكل فى المعركة، ويساهموا فيها بقدر وسائلهم، وذلك تحقق فى نطاق واسع فى الخرطوم. وفى الخرطوم اتفقنا على مبادئ: لا صلح مع إسرائيل، لا مفاوضة مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا تصرف فى القضية الفلسطينية. ثم فى الخرطوم استطعنا بالاتفاق مع الملك فيصل - ملك المملكة السعودية - أن نتفق على موضوع اليمن، وكان هدفنا فى هذا ان احنا نحقق المبادئ، ولم تكن تعنينا الأشخاص، احنا ذهبنا إلى اليمن لكى ننصر المبادئ لا لننصر الأشخاص، وساعدنا الجنوب العربى لكى نقضى على الاستعمار فى الجنوب العربى.الآن هناك نظام حكم وطنى فى صنعاء بدون قوات مصرية فى صنعاء، فيه جمهورية فى صنعاء بدون قوات مصرية فى صنعاء، دلوقت الإنجليز بيمشوا من الجنوب العربى؛ الجنوب المحتل، ومن عدن، والوطنيين حيتولوا الحكم، طبعاً كنا نتمنى أن يكون هناك اتفاق بين الوطنيين فى الجنوب العربى؛ بين كل العناصر الوطنية، حتى يمكن أن يتغلبوا على المرحلة الجاية والصعوبات، بخروج الإنجليز انتهى الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر، والعملية لن تكون سهلة، ولكن حاولنا بكل الوسائل ولم نوفق.
فى الخرطوم وصلنا إلى اتفاقية الدعم؛ اللى أخذنا فيها ٩٥ مليون جنيه إسترلينى، بكل أسف اليومين دول نزلوا ١٤% مع نزول الإسترلينى، وكل الدول وقفت على مستوى المسئولية.. (مقاطعة من أحد الجالسين مستفسراً عن لماذا الإسترلينى؟) لا هو احنا اتفقنا فى الخرطوم بالإسترلينى ما اتفقناش بالدولار، موضوع الدولار دا نحاول نتكلم فيه بعد كده.
كان العدو يعلق آمالاً كبيرة على حصارنا الاقتصادى، وكانوا مقررين ان احنا فى يناير أو ديسمبر نتيجة قفل قنال السويس ونتيجة نزول عائد البترول.. نتيجة البترول الموجود فى سينا، ان احنا مش حنقدر نشترى قمح، وان احنا حنجوع، لكن احنا الحقيقة من داخلنا نتيجة لخوفنا من هذا يمكن كنا حريصين بكل إمكانياتنا على ان يكون عندنا قمح لأطول مدة ممكنة، كنا حاسين إن أعداءنا حيحاولوا يخلونا نستسلم بالجوع، وعلى هذا الأساس عندنا قمح لمدة طويلة، جت اتفاقية الدعم اللى تمت فى الخرطوم وادت نتيجة إيجابية.
النقطة السادسة: دعم طاقة الإنتاج: طبعاً فيه جهد إنتاجى بذل تحت ظروف المعركة.. الصناعة قامت بدور كبير، اللى حطيناه فى الصناعة وجدناه فى الصناعة، الـ ٨٠٠ مصنع اللى اتعملوا يمكن فيه بعضهم ما بيشتغلش النهارده شغل كامل، ولكن بيدونا إنتاج النهارده بيساعدنا على ان احنا ما نستوردش من الخارج، بغير كل ما وضعناه فى الصناعة لا أعرف كيف كنا نتصرف الآن؟! عملية البترول ماشية، إنتاجنا زاد برغم خسارة حقول سيناء، إنتاج بترول حقل مرجان وصل إلى ١٠٠ ألف برميل يومياً، الكهربا مشيت، وعشنا حدث ضخم فى الأيام الأخيرة وما تنبهناش إلى قيمته الكبرى وإلى معناه؛ الحدث الضخم إن السد العالى إدى كهربا والتوربينات دارت، وإن هذه الكهربا وصلت إلى القاهرة وإلى الوجه البحرى. الزراعة كلكم عارفين عن محاصيل هذا العام الحمد لله كانت كويسة، المحصول التقريبى للقطن ٨ مليون و٨٠٠ ألف قنطار، المساحة المزروعة بتقل عن السنة اللى فاتت ٢٣٣ ألف فدان، فيه زيادة فى محصول الفدان السنة دى حوالى نص قنطار، وفرنا حوالى ٥.٥ مليون جنيه من المبيدات الحشرية، الرز: فيه زيادة فى المحصول، والذرة فيه زيادة فى المحصول إذن رغم الحصار الاقتصادى ربنا ماتخلاش عننا وساعدنا إن يكون عندنا محاصيل كويسة، واللى كانوا بيتصوروا إن الحصار الاقتصادى سوف يؤثر علينا يدركون الآن أننا نستطيع الصمود سنيناً للحصار الاقتصادى وأننا سوف نخرج منه أقوى وأصلب عوداً.
عندنا النهارده برضه احتياطات نقدية، قيمة الجنيه المصرى لم تتأثر بتخفيض الإسترلينى، بل قيمة الجنيه المصرى فى الخارج بترتفع، بنبص وبنلاقى ان الذين لم يواجهوا مثل ما واجهناه يتحملون أكثر مما تحملنا؛ إنجلترا مثلاً والأزمة الاقتصادية اللى موجودة فيها - وقريتوها فى الجرايد - مافيش داعى أتكلم عليها، وأمريكا مثلاً والأزمة أيضاً اللى موجودة وكتبت فيها الجرايد.
احنا النهارده نقوم بتوجيه الاقتصاد؛ ليكون اقتصاد حرب وليتحمل معركة طويلة. دا الأساس اللى احنا ماشيين عليه.
النهارده بالنسبة للناحية الاقتصادية، ان احنا إذا أردنا أن نصمد لابد أن يكون اقتصادنا اقتصاد حرب يتحمل معركة طويلة؛ لأن عدونا سيستخدم ضدنا كل الأسلحة بما فى ذلك أسلحة الضغط الاقتصادى.
النقطة السابعة فى استعراضنا بالنسبة لتحركنا الدولى: كان هناك من يتصورون أننا سوف نعزل دولياً، ما حصلش، كنا نحن نتحرك أكثر كل يوم لتوسيع دائرة الأصدقاء، وتضييق دائرة الأعداء وحصرها فى بؤرة محددة. وأنا أعتقد أن هذا التحرك العالمى ضرورى، لا نستطيع أن نواجه أزمتنا بالشلل عن التحرك، أو التحرك دونه، لا شىء يمنعنا أن نتحرك بأقصى ما يمكن، صداقاتنا القديمة ظهرت قيمتها، دور الاتحاد السوفيتى كمؤيد لنا فى هذه الأزمة اللى احنا فيها من أول الحرب وبعد الحرب، مساعداتهم لنا فى تعويض معداتنا اللى خسرناها، مساعداتهم لنا بالنسبة للنواحى الاقتصادية، ومساعداتهم لنا بالنسبة للنواحى السياسية، لما على صبرى راح إلى موسكو عقد اجتماع طويل مع "برجنيف" وعبر له "برجنيف" عن تأييد الاتحاد السوفيتى للعرب وللجمهورية العربية المتحدة، وأنهم سيساعدونا سياسياً واقتصادياً وسيساعدونا على تدعيم قواتنا المسلحة.
دور الهند فى الأزمة: وقفت بجانبنا بكل الطرق وبكل الوسائل، وفى الأمم المتحدة رغم الضغط الأمريكى اللى تعرضت له الهند.
دور يوغسلافيا أيضاً فى الأزمة: وقفت يوغسلافيا تؤيدنا، والرئيس "تيتو" مر علينا هنا وراح سوريا والعراق، كما أيضاً حضرت لزيارتنا رئيسة وزراء الهند السيدة "أنديرا غاندى".
دور الدول الآسيوية والإفريقية عموماً، القرار الآسيوى - الإفريقى اللى جهز فى الأمم المتحدة، الهند ومالى ونيجيريا وأيدتهم أثيوبيا، الدول الإسلامية والباكستان، باكستان وموقفها من القدس، وقدمت قرارات فى الأمم المتحدة بالنسبة للقدس، حصلت هذه القرارات على أغلبية فى الأمم المتحدة.
دور فرنسا و"ديجول" بالنسبة للعدوان ووقوفه ضد المعتدى حظر الأسلحة عن المعتدى، و"ديجول" يعلم أن الأمة العربية كلها والعالم العربى بل العالم كله بيذكر دوره اللى قام به حينما تعرضت فرنسا للعدوان فى الحرب العالمية التانية ويعلم أنه رجل مبادئ، وفى الحقيقة فى هذه الأزمة وفى هذه الظروف رغم الضغط الذى ووجه به ولكنه وقف بجانب المبادئ.
وموقفنا فى الأمم المتحدة كان مبنى على أساس أن لابد من الحركة حتى لا نعطى إسرائيل الفرصة لاقناع العالم أنها دولة مسالمة وهى الدولة المعتدية، إسرائيل بتدى صورة للعالم أنها الدولة اللى من ٢.٥ مليون ومحاطة بـ ١٠٠ مليون عربى عايزين يموتوها ويموتوا الإسرائيليين، إسرائيل بتقول: إن العرب بيجهزوا نفسهم للاعتداء، وأقنعت العالم كله قبل ٥ يونيو أنها الدولة الغلبانة.. الدولة الصغيرة اللى معرضة لحظر العدوان، لو سبنا الأمم المتحدة لإسرائيل تتكلم عن السلام تستطيع أنها تأخذ هذا الدور وتسير به وتتكلم عن السلام كلام مخادع، كلام تضليل، باطل يراد به إقناع العالم ان إسرائيل دولة مسالمة، ولكن العرب دول لا يريدوا السلام ولكن عايزين الحرب من أجل الحرب. طبعاً كان لابد لنا ان احنا نعمل فى الأمم المتحدة حتى نقطع على إسرائيل هذا السبيل وأعتقد ان احنا نجحنا فى هذا، ويظهر هذا فى الصحافة العالمية فى الغرب، بدأت تفهم حقيقة إسرائيل وخصوصاً بعد تصريحات قادة إسرائيل وتصريحات "أشكول" عن إسرائيل الكبرى.
حتى بالنسبة لبريطانيا اللى كنا قاطعين علاقتنا معاها خطونا معها، وأنا فى يوم من الأيام جالى جواب من "جورج براون" وقال فى هذا الجواب إلى متى حنفضل قاطعين للعلاقات؟ يجب ان احنا نتباحث لعودة العلاقات. خطب "جورج براون" فى الأمم المتحدة كانت خطب مشجعة؛ لأنه وقف فى هذه الخطب إلى جانب الحق، أيضاً بعد اتضاح معركة الجنوب وبعد رحيلهم عن الجنوب العربى وقيام دولة وطنية فى الجنوب، بعد موقف بريطانيا بالنسبة لموضوع القدس، ورفضها ان إسرائيل تضم القدس، كان لابد لنا أن نستجيب وسرنا فى هذا الطريق حتى عادت العلاقات السياسية والدبلوماسية. لم نغلق الباب علينا ونقطع ما بيننا وبين الدنيا، الاتصالات مع الدول الإفريقية والدول العربية اللى قطعت علاقتها مع بريطانيا اتصلنا بها قبل ما نعيد العلاقات مع بريطانيا، تحركنا ولابد لنا أن نتحرك لأن المعركة هى معركة شاملة وهى باتساع العالم كله، لا نستطيع أن نترك الأمور تضيق حولنا وتحاصرنا، ويجب أن نعكس التيار، نأخذه فى صالحنا ونتحرك به لعزل عدونا ولا ننعزل نحن.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية برغم كل ما نحس به من مرارة تجاه موقفها.. موقفها إيه باستمرار؟ تأييد إسرائيل فى الأمم المتحدة، إمداد إسرائيل بالسلاح.. إمداد إسرائيل بالمساعدات المالية، تحالفها مع إسرائيل كما يقول قادة إسرائيل فى تصريحاتهم، تصريحات قادة إسرائيل كلها بتقول إن الحليف القوى لنا هو الولايات المتحدة الأمريكية، رغم هذا ورغم موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاهنا المعركة هى معركة مصير، ونحن لا نستطيع أن نواجه هذه المعركة بالغضب وحده، ان احنا نغضب.. وان احنا نزعل على هذا الأساس رياض كان يقابل "راسك" وزير خارجية أمريكا ويقابل "جولد برج" ممثلهم فى الأمم المتحدة. رفعوا الحظر عن سفر رعاياهم لبلدنا، وان احنا أصدرنا بيان رحبنا بهذا. معركتنا فى العالم ليست معركة سهلة، ولا يمكن أن نقف جامدين، ولا نقبل أى قيد على حركتنا إلا القيد الذى تفرضه مبادئنا، وهذه لا نفرط فيها مهما كان الثمن، ولو فرطنا فيها لم يكن هناك داع لأى معركة أو معارك، ما خلا مبادؤنا نحن على استعداد للتحرك فى كل اتجاه.
والآن أين نجد أنفسنا فى هذا الموقف الراهن؟ فى كل الميادين نحن نواصل تحركنا، هناك ميدان هام يتحرك أكثر من غيره هذه الأيام وهو المجال السياسى، وأريد أن أكون واضحاً معكم وأمام أمتنا العربية كلها، هناك مبدأ أساسى أؤمن به ولم يتغير إيمانى به؛ إن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. هذه هى القاعدة.

بتفكرونى بتصفيقكم دا برضه بجواب قريته من ٣ أيام، واحد بعت لى جواب بيقول لى باين عليك خايف - اللى ملاحظينه الأيام دى - ما بتتكلمش زى عوايدك، الموضوع ماهواش موضوع خوف، باقول لأخينا اللى بعت الجواب دا ان أنا مش خايف، ومش موضوعى أنا ان أنا أخاف، لو كان الموضوع شخصى كان الموضوع يبقى موضوع بسيط، الموضوع أكبر من هذا، وعلى هذا باقول لكم لابد أن ندرك أن القوة درجات تبدأ من قوة العمل السياسى، وتتصاعد حتى تصل إلى قوة العمل العسكرى، العمل السياسى استعمال لنوع من أنواع القوة أو درجة من درجاتها، والعمل العسكرى تصاعد بالقوة إلى أعنف درجاتها. وأريد أن أقول إن أحدهما ليس بديلاً عن الآخر، والخط الفاصل بينهما ليس كالصراط المستقيم؛ أى أننا يمكن أن نجرب فى العمل السياسى، وفى نفس الوقت نستعد للعمل العسكرى إذا أصبح هو السبيل المطلوب، وفى نقطة العمل السياسى والعمل العسكرى أريد أن أوضح موقفنا باختصار ولكن بوضوح، وأرجو ألا أضطر إلى ذكر تفاصيل كثيرة.نحن أولاً وقبل كل شىء نحتاج إلى وقت لاتمام استعدادنا العسكرى، لقد استكملنا - وليس هذا سراً - مقدرة الدفاع، وكان من العبث غير المسئول - فى رأيى - أن نتكلم عن العمل العسكرى، ونحن غير قادرين على الدفاع، وفى وقت من الأوقات بعد النكسة كانت خطوطنا غير قادرة على صد الهجوم، وكانت سماؤنا مكشوفة، مصانعنا.. مدننا.. قرانا كانت كلها مكشوفة للعدو، وإذا كنت أقف فى مثل هذا الوقت وأتحدث عن العمل العسكرى فمعناه أننى أتاجر أو أننى أضلل، وهذا ما لا أرضاه. وبعد ذلك فنحن إذا جاء وقت العمل العسكرى لن نكون على موقف الدفاع؛ أى أننا يجب أن نتقدم باستعداداتنا لنستطيع أن نتحمل مسئولية الهجوم، إننا سنهاجم لتطهير أرض لنا يحتلها العدو، وهذا حق مشروع لنا، ولكن يجب أن نكون قادرين عليه، والتقدم إلى ذلك قبل امتلاك القدرة عليه خطأ فادح وجريمة، لا يمكن أن نتقدم إلى نكسة عسكرية أخرى، النكسات ليست مثل نوبات البرد أو الأنفلونزا يمكن أن يتعرض لها الإنسان بين فترة وأخرى - شهرين أو كل ٣ شهور أو ٤ شهور أو ست شهور - ما حدث بالنكسة يجب أن يكون حادثة فى تاريخ مصر لا تقبل التكرار، والمسألة أو صميم المسألة أنه بعد النكسة ليس هناك بديل أمامنا عندما نقرر ضرورة العمل العسكرى غير تحقيق النصر، ليس هناك بديل للنصر، معنى ألا يكون هناك نصر ألا تكون هناك حياة، شىء أكثر من مجرد الهزيمة. الاستعداد للعمل العسكرى الهجومى بعد استكمال الاستعداد للعمل العسكرى الدفاعى يحتاج إلى وقت وعمل؛ أقول ذلك صراحة، وأقوله من موقع المسئولية.
فى هذا الوقت الذى نقوم فيه باستكمال استعداداتنا العسكرية فنحن لا نتردد فى محاولة العمل السياسى، لا نمانع فى تجربة أى طريق سياسى بل ونرحب، الحرب ليست هدفاً فى حد ذاتها، الهدف هو المبدأ.. هو تحرير الأرض.. هو استعادة الحقوق الضائعة، ونحن نريد أن يعرف العالم كله أننا لسنا دعاة حرب والسلام، نحن جنود حرب إذا كانت الحرب ضرورة، ونحن نستعد لها ولكل احتمالاتها، وإذا استطاع العمل السياسى فى الفترة التى يكتمل فيها استعدادنا العسكرى أن يصون مبادئنا، وأن يحرر أراضينا، وأن يستعيد حقوقنا الضائعة، فذلك شىء لا نرفضه. ونحن لا نستطيع أن نواجه مسئولياتنا العالمية إذا رفضنا، إذا حدث ذلك لن نجد معنا أحد، كل الأصدقاء يقفون معنا ليس من أجل الحرب فى حد ذاتها، ولكن من أجل المبدأ.. من أجل الأرض.. من أجل الحق.. إذا لم يستطع العمل السياسى صيانة كل ذلك، والدفاع عنه واستخلاصه فإن أصدقاءنا، بل والعالم كله سوف لن يكونوا فقط مقدرين لموقفنا فى اللجوء إلى القوة المسلحة، ولكن موقفهم سوف يكون أكثر من مجرد التقدير، سوف يكون موقف التأييد؛ إن الكل سوف يقف معنا بغير تردد، عارفين أن معركتنا هى معركة كل مبدأ، ومعركة كل أرض، ومعركة كل حق. وإذا لم يستطع العمل السياسى أن يصل إلى ما يرضى أهداف نضالنا فنحن لم نخسر شيئاً، نكون قد استكملنا أسباب قوتنا واثقين فى فاعليتها ومطمئنين، ونكون فى نفس الوقت قد استطعنا أن نجد أوسع التأييد لحربنا المشروعة. ذلك ما أراه باختصار ووضوح، وأرجو أن يراه مجلسكم الموقر معى.
وفيما يتعلق بى فلن أخطو خطوة إلا وأنا واثق مما بعدها، ولابد لنا أن نتعلم من التجربة، لكننا لسنا على استعداد لأن نتلقى دروساً من الذين يتحدثون عن الحرب الفورية وهم لم يحاربوا وهم لا ينوون أن يحاربوا.
محاولات العمل السياسى التى جرت حتى الآن بدأت فى مجلس الأمن، بينما عمليات القتال مازالت مستمرة، وكان قرار وقف إطلاق النار صادراً من مجلس الأمن وبتأثير الضغط الأمريكى السافر، فإن مجلس الأمن لأول مرة فى تاريخه عجز أن يقرن قراراً منه بوقف إطلاق النار.. بضرورة العودة إلى المواقع التى كانت فيها القوات المتحاربة قبل المعارك. كلنا نعرف القصة، الاتحاد السوفيتى بعد ذلك دعا إلى دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذهب إليها الرئيس السوفيتى "كوسيجين" وعدد من رؤساء الدول والحكومات، فى الحقيقة فإنه لا نحن ولا الأصدقاء كنا نعلق آمالاً كبيرة على هذه الدورة من ناحية إزالة آثار العدوان، أهم شىء فى هذه الدورة كان إيقاظ الرأى العام العالمى وتحريك المجتمع الدولى، المناقشات الواسعة أدت إلى تقدم كبير فى هذا المجال، ورأى العالم صورة مختلفة لإسرائيل عما كانت إسرائيل تحاول أن تصور به نفسها، رآها العالم أداة لقوى الاستعمار.. أداة للعدوان.. أداة للإرهاب أكثر مما هى أى شىء آخر.
لماذا لم نكن نعلق أهمية عملية كبيرة على هذه الدورة؟ لسبب هام وهو أن العمل السياسى لا يمكن أن تكون له قيمة إلا بقدر القوة، أو احتمالات القوة التى يمكن أن تسنده بقبول المخاطر، فى ذلك الوقت لم نكن قد استعدنا جزءاً كبيراً من قوانا.
جاءت بعد ذلك الدورة العادية للأمم المتحدة، وفى الحقيقة أننا لم نكن فى لهفة على قرار من الأمم المتحدة؛ سواء من مجلس الأمن أو الجمعية العامة، ولكننا فى نفس الوقت لم نكن نهدف إلى العرقلة وتجميد الأمور. أهم شىء بالنسبة لنا كان أن يزداد التقدم فى قوتنا العسكرية، ذلك هو الميزان الحقيقى فى أى شىء، استعدادنا للمقاومة هو الذى يحدد مدى الضغط علينا، وإمكانية نجاح هذا الضغط، فى الدورة العادية لم نكن فى لهفة، ولم نكن نعرقل، كنا نتعاون فى العمل السياسى مع الكل ومع أصدقائنا على وجه التحديد، ومرت مناقشة الجمعية العامة.
ثم طلبنا مناقشة أزمة الشرق الأوسط أمام مجلس الأمن؛ لكى نلفت نظر العالم إلى العدوان واستمراره، خلال الاتصالات اقترح أن يتولى الأعضاء غير الدائمين فى مجلس الأمن وضع مشروع، وتقدمت الهند بمشروع آسيوى - إفريقى تساندها فيه بأخوية واضحة كل من نيجيريا ومالى. المشروع فى رأينا كان يحقق بعض الضمانات الأساسية، وأكرر دائماً أمامكم، وأريد أن تعرف جماهير أمتنا العربية أنه ليس هناك ضمان كامل إلا استعدادنا لحمل السلاح فى أى وقت دفاعاً عن المبدأ والأرض والحق، الدانمرك بعد هذا قدمت مشروعاً رفضناه على الفور، الولايات المتحدة قدمت مشروعاً رفضناه على الفور أيضاً، ثم جاءت بريطانيا بمشروع آخر حاول أن يوفق بين بعض النقاط الأساسية فى المشروع الآسيوى - الإفريقى وفى المشروعات الغربية، ومن وجهة نظرنا فإن هذا المشروع البريطانى ليس كافياً لإيجاد حل سليم للأزمة، ثم جاء المشروع السوفيتى الأخير الذى كان معقولاً ومتوازناً، ومن الواضح أن الاتحاد السوفيتى أحسن صنعاً بتقديمه لأنه كان أداة ضغط على الأقل نجحت فى إعطاء تفسيرات لمشروع القرار البريطانى الذى أقره مجلس الأمن، ومع أن التفسيرات التى أعطيت فى جلسة مجلس الأمن أعطتها الهند قبل أن توافق على المشروع البريطانى، وأعطاها الاتحاد السوفيتى قبل أن يوافق وأعطتها فرنسا أيضاً، وعلى أساسها وضع المشروع للتصويت وأقر من المجلس، مع أن هذه التفسيرات تحقق بعض الوضوح الذى كان لازماً للمشروع فإن المشروع البريطانى يبقى فى رأينا غير كافى. ومهما يكن فإننى مرة أخرى وهذه نقطة لن أمل من الإشارة إليها؛ لن نستطيع الحصول على ضمانات إلا ما تقدمه قوتنا، وإلا ما يقدمه استعدادنا لحمل السلاح، لقد ثبت أن العبارات الإنشائية لا قيمة لها، وثبت أن كل الصياغات قابلة للانصهار أمام حرارة النيران، هل نحن قادرون على امتلاك إمكانية العمل المسلح الفعال أو نحن غير قادرين؟ هذا هو السؤال وأى شىء عداه لا قيمة له. ماذا نفعل بقرار مجلس الأمن؟ فيما يتعلق بنا نحن ندرسه ونتشاور بشأنه مع أصدقائنا، وهناك نقطتان محددتان بالنسبة لنا ليستا موضع جدال، ولا يمكن أن نقبل فيهما أى أخذ وعطاء:
الأولى: هى الانسحاب الكامل من كل الأراضى العربية.. من كل شبر من كل الأراضى العربية التى جرى احتلالها فى معارك يونيو؛ سواء فى الجمهورية العربية المتحدة أو المملكة الأردنية الهاشمية، أو الجمهورية العربية السورية، هذه نقطة بالنسبة لنا ليست خاضعة لأى أخذ أو عطاء.
والنقطة الثانية: أننا لن نسمح لإسرائيل مهما كان الثمن، ومهما كانت التكاليف أن تمر فى قناة السويس.. إن المرور فى قناة السويس جزء لا يتجزأ من قضية فلسطين الأصلية، وهو ليس جزءاً من قضية إزالة آثار العدوان. بعد هاتين النقطتين فنحن على التزام بالخطوط الأربعة التى حددها مؤتمر القمة العربى فى الخرطوم، لا اعتراف بإسرائيل، لا صلح معها.. ولا مفاوضة، ولا تصرف بالقضية الفلسطينية لأنها ملك شعب فلسطين.

أيها الإخوة:بعد هذا فنحن نعتقد بأن تطورات الحوادث الآن تقتضى التفكير بعقد اجتماع عربى على مستوى القمة، إن قرار مجلس الأمن يشكل تطوراً لابد أن نبحثه معاً، نتدارس فيه، وفيما بعده، لما يجب أن نترقبه ونستعد له. نحن نعتقد أن إمكانية العمل العربى الموحد الذى أثبت فاعلية فى الخرطوم يجب أن تستمر.. يجب أن تؤدى دورها إلى نهاية الأزمة.. يجب أن نعطيها فرصة كاملة حتى بعد نهاية الأزمة إذا نجحنا فى ذلك، فنحن نعتقد أن نظاماً عربياً جديداً ممكن أن يولد يعطى للعالم العربى دفعة كبيرة فى عصر المجتمعات الاقتصادية الكبيرة، فى هذا العصر وما تقتضيه ظروفه من مطالب التكنولوجيا والموارد المتسعة والأسواق المفتوحة.
إن الدول العربية لا تستطيع أن تحقق أهداف نموها بالسرعة الواجبة كل منها على انفراد وفى عزلة عن الباقين، كان فيه تساؤل ازاى ٢.٥ مليون إسرائيلى بيهزموا ١٠٠ مليون عربى؟! الحقيقة الـ ٢.٥ مليون إسرائيلى عبأوا قواهم وقوى أخرى من وراهم، أما الـ ١٠٠ مليون عربى ما عبأوش قواهم العسكرية ولا الاقتصادية.
الكلام اللى باقول عليه الآن يتطلب أول ما يتطلب تطويراً واسعاً للجامعة العربية وتدعيماً كبيراً لها؛ لتستطيع أن تقوم بدورها كمنظمة وحدة اقتصادية وسياسية وثقافية فعالة. ومع أن هذه القضية تستحق الاهتمام فإن القضية المباشرة - وهى قضية إزالة آثار العدوان - لابد لها أن تكون النقطة الأولى فى جدول أعمال المؤتمر المقترح، ماذا نفعل بقرار مجلس الأمن؟ فى رأينا أن ذلك يطرح الموضوع لمناقشة عامة، وإن كان هو ليس مهماً فى حد ذاته؛ ذلك أن أى قرار يصدر عن مجلس الأمن لا يعنى فى حد ذاته شيئاً، حتى لو كان المشروع الآسيوى - الإفريقى هو الذى صدر، حتى لو كان المشروع السوفيتى هو الذى صدر فإن هناك فارقاً كبيراً بين القرار وبين الحل، وفى رأينا أن العبارات المحبوكة والغامضة التى تصاغ بها القرارات فى الأمم المتحدة.. عادة ليست هى الأمر المهم، وإنما الأمر المهم هو ما الذى يحدث على الطبيعة فعلاً؛ هل تنسحب إسرائيل فعلاً من كل الأراضى التى جرى احتلالها فى معارك يونيو أو لن تنسحب؟ هنا الحد الفاصل بين القول وبين الفعل، وفيما يتعلق بنا فنحن نعتقد أن الوقت فى صالحنا، وإذا لم يعط لنا الوقت الكافى فإننا نطلبه لأنه لازم للضمان الوحيد الذى يعطى لأى عمل سياسى قوة حقيقية، وأعنى به درجة استعدادنا العسكرى الهجومية.
وأريد أن أقول أمامكم - متحملاً المسئولية الكاملة لكل ما أقول - إن إسرائيل ليست بالعدو الرهيب الذى لا يقهر.. تلك خرافة لا محل لها، أقول ذلك متمثلاً أمامى كل دروس النكسة، وأقوله بعد دراسة كاملة لكل ظروفها، ولقد كان قصورنا سبباً فى الهزيمة أكثر مما سبب الهزيمة تفوقاً خارقاً يملكه العدو، لكننا يجب أن نحارب حرباً مختلفة، يجب أن نتلافى كل أسباب القصور، وأن نعبئ كل قدراتنا وطاقاتنا وهى كافية وفعالة. وبرغم كل المناقشات التى كانت تدور فى مجلس الأمن حول الحلول السياسية واحتمالاتها فلقد كان اتفاقنا فى مجلس الوزراء على ضرورة المضى بتحويل اقتصادنا كله ليكون اقتصاد حرب، ذلك أن أى مشروع قرار سياسى لا قيمة له كما قلت، الحد الفاصل هو ما يجرى فى الواقع وعلى الطبيعة، وحصل مشروعات قرارات كتيرة من الأمم المتحدة سنة ٤٧ وسنة ٤٨ وسنة ٤٩ ولم تنفذ هذه المشاريع، أى مشروع قرار سياسى تكون له قيمته فى حالة واحدة هى مدى القوة التى نستطيع وضعها لتدعيم حقنا، بل نحن نعتقد أن بلوغ مرحلة كافية من القوة قد يكون بديلاً عن استعمالها فعلاً.
إن معركة إزالة آثار العدوان لا تنتهى بالنسبة لنا إلا بعد أن تزول آثار العدوان، فعلاً الوقت فى صالحنا وليس فى صالح العدو، نحن كما قلت نزداد كل يوم قوة، وأعتقد أن التحدى الحقيقى الذى نواجهه هو أن نمسك عن استعمال القوة حتى نستكمل كل مطالبنا منها، لا ينبغى أن يستفزنا عدو قبل اللحظة المناسبة التى نراها نحن مناسبة، إن العدو ضرب ضربته حين أراد وحيث أراد، ونحن مصممون على أن يكون لنا نحن هذا الحق عندما تتطلب الظروف.
ولقد أظهرت التجارب أننا قادرون على العمل العسكرى، والمعركة البحرية التى جرت فى المياه الإقليمية أمام بورسعيد تعطينا الدليل؛ العدو كان يتصور أنه يستطيع أن يفعل ما يريد وأرسل مدمرته إيلات تتفسح قدام بورسعيد، خرجت قوارب الصواريخ الصغيرة، وإيه اللى حصل فى المعركة من أطقم صغيرة فى هذه القوارب؟ استطاعوا أن يغرقوا المدمرة الكبيرة اللى عليها أحداث المعدات الإليكترونية حسب التجديدات اللى قالوا عليها، حاربوا فى الميدان وقاتلوا وأثبتوا أنهم موضع قدرة ليست محل شك. إيه اللى عمله العدو؟ اللى عمله العدو ضرب مصانع التكرير فى السويس بالمدافع.
جات لى برضه جوابات وناس قالوا لى إنك خفت ترد على إسرائيل أما ضربوا السويس، وإن مدكور أبو العز كان عايز يضرب إسرائيل وأنت ما رضيتش، وعلشان كده شلته، ما حصلش أبداً كده.. هو احنا عندنا خطط للردع، ولابد أن يكون عندنا خطط للردع، إذا ضربونا نضربهم، ولكن امتى نتصاعد بهذه الخطط؟ فى رأيى فى هذا اليوم أن التصاعد ماكانش فى صالحنا، كان غلط، ولهذا قلنا إن بنخلى المعركة مدافع مع مدافع، حددنا نطاق الرد، حصل للعدو خسائر كبيرة، ضربنا بالمدفعية هو اللى خلى خسايرنا فى مصانع البترول محدودة، قالوا إن الخسائر ٨٠% والخسائر ١٠٠ مليون جنيه، هذا الكلام غير حقيقى، واحنا سكتنا فى هذا الوقت ما كذبناش شىء، والكلام اللى اتقال غير حقيقى، وأنا مش عايز أقول الأرقام الصحيحة، ومش عايز أتبرع بمعلومات مجانية للعدو، ولكن خسايرنا فى السويس كانت محدودة وذلك بفضل تدخل مدفعيتنا ضد مراكز مدفعية العدو، دا بيدى فكرة عن نوع حربنا وحرب العدو، احنا حاربنا حرب عسكرية وهو بيحارب حرب إرهاب بالدرجة الأولى.
احنا أخلينا عدد كبير من سكان السويس، وعدد كبير من سكان الإسماعيلية؛ لأننا عارفين ان العدو ماسكنا من رقبتنا فى السويس والإسماعيلية، وإنه أما يحصل قتال بينا وبين قواته يقدر يوجه مدافعه إلى المدنيين ويموت عدد كبير من الناس؛ وبهذا يخلينا باستمرار نشعر بالضغط، وعلشان كده قررنا ان احنا نهجر، وهجرنا أعداد كبيرة. وفى رأيى أن المعارك لابد أن تدار على الأسس العسكرية السليمة وحدها، ولا يمكن أن نقبل إدارة المعارك باستراتيجية النوادى والحفلات ومقالات الصحف، لا يمكن بأى حال من الأحوال.. نحدد نطاق المعركة، وهذا هو الأمر السليم.
عندما نقرر التصاعد بالعمليات، فلا يجب أن نقبله على شروط العدو، وإنما نتصاعد بشروطنا وفى أنسب الظروف ملائمة لخططنا، وكما قلت لكم فإن الوقت فى صالحنا، قواتنا تزداد كل يوم.. هذه نقطة مهمة، الأرض التى يحتلها العدو أكبر من قدرته على السيطرة فوقها.
وإلى جانب ذلك فإن المقاومة الفلسطينية تشتد، وهذا عنصر إيجابى له قيمته الآن، له قيمته فى المعركة الشاملة، بنسمع من اليهود وبياناتهم انهم بيطاردوا أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية.. بيطاردوا أعضاء منظمة فتح، قبضوا على أفراد من أعضاء منظمة فتح وعلى قيادات، قبضوا على أفراد من الفدائيين الفلسطينيين.
معنى هذا أن المقاومة الفلسطينية تشتد، والمقاومة دى حق لكل واحد بلده محتلة، ومن الواجب علينا أن نفهم أن العدو يشن حملة حرب نفسية ضدنا على أوسع نطاق وعلى أحدث الأساليب، ولكننا يجب أن ندرك قبل هذه الحملات ومن بعدها أن إسرائيل لن تستطيع أن تفرض إرادتها على الأمة العربية كلها، بل أقول إن إسرائيل لن تستطيع أن تفرض إرادتها على الشعب العربى فى مصر، إن الشعب العربى فى مصر بكل إمكانياته البشرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية مصمم وسوف يحمل تصميمه ويؤكده - بإذن الله - على أرض المعركة، وسوف ينتزع النصر مهما كانت المخاطر والصعاب. وإذا استطاعت الأمة العربية - وذلك ما نعتقده ونؤمن به - أن تواصل عملها الموحد على الأساس الذى بدأ فى الخرطوم فإن النتائج التى يمكن التوصل إليها تصبح فى رأينا غير محدودة فى أثرها وفعلها.
نحن الآن نشاهد نهاية عصر الاستعمار فى المنطقة العربية.. عصر الاستعمار البريطانى فى العالم العربى، وهذه معجزة استطاع النضال الثورى فى جيلنا أن يحققها، حينما بدأ جيلنا كان الوجود الاستعمارى البريطانى يمسك بقبضته نواصى العالم العربى كله، تحطمت القبضة القوية، تحررت كل الشعوب وسقطت كل القواعد، ونحن نتمنى ونعمل وسوف نناضل من أجل أن يزول كل أثر للاستعمار القديم والاستعمار الجديد فى وطن أمتنا العربية، بقية القواعد العسكرية الأجنبية يجب أن تزول، الاستعمار الجديد لا ينبغى له أن يحل محل الاستعمار التقليدى، نضالنا من أجل ذلك مستمر لا يثنينا عن أى شىء.
أما الحملات النفسية التى يقوم بها أعداؤنا الاستعماريون أو إسرائيل من أجل فقدان الثقة فى نفوسنا أو من أجل فقدان الثقة فى قيادتنا، أو من أجل الوقيعة بين الجيش والقيادة، أو من أجل الوقيعة بين الشعب والقيادة، أو من أجل التأثير على قوتنا فى الصمود، أنا على ثقة أن هذه المعركة سنكسبها لأننا لابد نكسبها بعون الله. إذا أردنا أن نكسب المعركة العسكرية، إذا أردنا أن نكسب المعركة العسكرية لابد أن نكسب المعركة النفسية، النهارده بيكتبوا مقالات علشان يفقدونا الثقة فى قواتنا المسلحة.. يفقدوا القوات المسلحة الثقة فى الشعب؛ وقيعة بين الشعب وبين قواته المسلحة، هذه المعركة النفسية احنا مش جداد عليها، احنا علينا ١٥ سنة معركة نفسية، سنة ٥٦ ما أثرتش فينا، وسنة ٥٧ ما أثرتش فينا، وبعد الانفصال ما أثرتش فينا.

أيها الإخوة المواطنون أعضاء مجلس الأمة:تكلمنا عما وقع، وتكلمنا عما هو واقع، ومن واجبنا أن نلقى بنظرة سريعة على المستقبل، كنا نتكلم عن الاستعداد العسكرى وعن احتمالات معركة مسلحة، يمكن أن ندعى لخوضها دفاعاً عن المبدأ والأرض والحق، فإن الجبهة الداخلية وقواتها هى الأساس فى كل شىء.. الأساس فى كل صمود.. الأساس فى كل معركة، والأساس فى كل نصر.
قوة الجبهة الداخلية يوم ٩ ويوم ١٠ يونيو كانت العامل الحاسم الذى منع هزيمة عسكرية محدودة فى ميدان القتال من أن تتحول إلى هزيمة شاملة بالنسبة للوطن كله، العدو يركز أكبر هجماته على الجبهة الداخلية تساعده فى ذلك قوى كبيرة وعاتية تملك من الموارد والوسائل لشن الحرب النفسية أكثر مما يخطر لنا.
يريدون تشكيك الشعب فى قيادته السياسية، تشكيك الشعب فى جيشه الوطنى، تشكيك الشعب فى منجزاته الثورية، تشكيك القوى الثورية ببعضها، يريدون تشكيك القوى الثورية فى غيرها من القوى العربية، يريدون التشكيك فى كل شىء.
وأنا قادم هنا وأعلم أنهم حاولوا التشكيك فى الغرض اللى أنا من أجله جيت، وقالوا إن أنا جاى النهارده يوم ٢٣ علشان أتنحى مرة تانية.. كأن أقدار الأوطان مسألة أمزجة، الموضوع مش موضوع مزاج، لا أنكر - أيها الإخوة - أننى مررت كإنسان بأوقات عصيبة، وقالوا بره ان أنا كنت عيان، وإن أنا عييت، طبعاً الواحد تعب.. الواحد تعب نفسياً للظروف اللى مرت بينا، كان من الصعب بالنسبة لى تقبل النكسة والتغلب عليها، كان صعباً بالنسبة لى تقبل بعض ما جرى من الحوادث بعدها، وكان فيه ما قطع قلبى كإنسان، لكن ذلك كله بالنسبة لى يهون إزاء طلب الشعب إلى أن أبقى، من يومها - من يوم ١٠ - لم يعد الأمر مطروحاً بالنسبة لى، أى كلام فيه لم يعد جائزاً قبل إزالة آثار العدوان، وساعتها كما قلت فى خطابى إلى حضراتكم تعود الأمور كلها للشعب.
لكن الحملة النفسية لا تتوقف، ليس هدفها الحقيقة وإنما هدفها الهدم، ذلك ما ينبغى أن نحول دونه مهما كانت الأسباب، وأن نحول دونه بالوعى وبالوقائع وليس بمجرد العواطف وترديد الشعارات. والجبهة الداخلية فى ظنى تحتاج إلى عمل كبير.. المجلس بيقدر يقوم فى هذا الموضوع بدور كبير؛ لابد من الانعقاد المستمر والاتصال بالجماهير وزيادة فاعلية العمل السياسى، لابد أن يفرغ مجلسكم الموقر من وضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، لابد أن نفرغ من تقنين الثورة، ونعمل فعلاً قوانين، والموضوع اللى اتكلمت عليه قبل كده بسنتين، واتكلمت عليه بعد كده، واتكلمت عليه فى ٢٣، لابد أن يعرف الشعب من الآن صورة ما ينتظره فى حياته السياسية بعد إزالة آثار العدوان.
هناك عذر يمكن التماسه لقصور العمل السياسى فى المرحلة الماضية؛ ذلك أن الجهد كله كان مركزاً على المجال العسكرى وأيضاً كان هناك انفعال.
فى المجال العسكرى حصلت جهود أشعر أنها كانت فى كثير من الأحيان فوق ما يطيق البشر، ولكن العمل السياسى وزيادة فاعليته ضرورة الآن لم يعد ممكنا تأخيرها، تمكين قوى الشعب كلها ديمقراطياً من أن تمارس مسئوليتها.
بعد ذلك تدعيم مقدرة الإنتاج، لقد فعلنا الكثير، وفيه تشكيك حتى فى اللى فعلناه، وضعنا استثمارات خلال ١٥ سنة اللى فاتت مقدارها ٣ آلاف مليون جنيه، منها ٧٥٠ مليون جنيه من ١٩٥٢ إلى ١٩٥٩، ١٥١٣ فى الخطة الخمسية الأولى التى انتهت سنة ٦٤/٦٥، ٣٧٩ مليون جنيه سنة ٦٥/٦٦، ٣٦٤ مليون جنيه سنة ٦٦/٦٧، وصل حجم الإنتاج الكلى فى السنة الأخيرة إلى ٤٣٥١ مليون جنيه، وصل حجم الدخل القومى فى السنة الأخيرة إلى ٢١٥١ مليون جنيه.
فى الصناعة وحدها وضعنا ١٠٢٩ مليون جنيه، أنشأنا ٨٣٠ مصنع، متوسط الكلفة الاستثمارية لكل مصنع مليون و٢٤٠ ألف جنيه، كانت قيمة الإنتاج الصناعى ٣١٣ مليون جنيه، زادت ٤ مرات إلى ١٢٦٧ مليون جنيه.
زادت صادراتنا من الصناعة من ١٣ مليون إلى ٣١ مليون فى السنة المنتهية فى ٣٠/٦/٦٧ بزيادة قدرها أكثر من ٦٠٠%.
تم بناء السد العالى، السد اكتمل ويحجز الآن الميه، والكهرباء بدأ تفجيرها فعلاً، التوسع فى الأرض الزراعية ماشى، نتمنى فى السنة الجاية نزيد من التوسع فى الأرض الزراعية. الآن ونحن نواجه ما نواجه نستعد لخطة خمسية تالتة تبدأ فى أول يوليو سنة 70 بمشيئة الله، وتحقق لنا عدة أهداف؛ عمالة كاملة لكل قوى العمل المستجدة فى تلك الفترة وتقدر بمليون و700 ألف عامل، توفير كل السلع الاستهلاكية اللازمة، تغيير هيكل الإنتاج، والتركيز على الصناعات الثقيلة والكيماوية والصناعات التصديرية، تطوير الزراعة والوصول إلى الاستغلال الكامل لكل أرض السد العالى، إعطاء أهمية كبرى للسياحة، تحقيق الاستفادة الكاملة من انطلاقة واسعة المدى فى البترول، ومعروفة احتمالات البترول. هذا فى التطور الاقتصادى.
التطور الاجتماعى: زيادة عدد الطلبة فى الجامعات والمعاهد العليا، والتوسع فى الخدمات الصحية والتأمين الصحى، تطورنا الاقتصادى والاجتماعى لا يمكن أن توقفه أى صدمة.
لابد أن نتحقق من أن الأعداء لا يتكالبون علينا إلا لأنهم يشعرون أننا نتقدم، وإننا نحقق وننجز، لو كنا فى مكاننا قابعين لما أهتم بنا أحد، الحرب ضدنا دليل على سلامة طريقنا، لابد أن نصمم على طريقنا.. طريق التطور الاقتصادى، والتطور الاجتماعى، طريق الاشتراكية. لابد أن نزيل كل عقبات من طريق النمو، نحن أحياناً نعقد الأمور لأنفسنا فى القطاع العام وفى القطاع الخاص، ونحن نطلب إطلاق إمكانيات العمل فى حدود الميثاق، وبحثت هذه المواضيع فى مجلس الوزراء فى حدود الميثاق ومبادئ الثورة الاجتماعية، حتى نعطى الأفراد مزيداً من إمكانية العمل، وحتى نزيد من قوة الإنتاج؛ سواء بالنسبة للقطاع العام أو القطاع الخاص، وحتى نستوعب العمالة. ليست هناك محظورات فى الاشتراكية غير الاستغلال، يجب ألا نعقد الأمور لأنفسنا، ولابد أن نحل جميع المشاكل.. مشاكل الفلاحين والتسويق التعاونى واتكلمنا عليها، مشاكل القطاع الخاص والتسهيلات الائتمانية، وأيضاً بحثت مشاكل القيود الكثيرة التى فرضت بغير داع على إمكانية العمل والانطلاق.
أيها الإخوة المواطنون أعضاء مجلس الأمة:
إن النكسات عوارض طارئة فى حياة الشعوب، لكن الشعوب دائماً أقوى من النكسات بإيمانها.. وبثباتها.. وبعملها وبنضالها وبتصميمها على التقدم مهما كانت العوائق.
إن هذه الأمة العربية - وشعبنا بين شعوبها - قادرة، وهى أقوى من كل العوارض الطارئة، وهى أبقى من كل هذه العوارض، ولها النصر عزيزاً حاسماً أكيداً بإذن الله وعونه. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.

ليست هناك تعليقات: